وجهت الهيئة الوطنية للمحامين في موريتانيا، انتقادات لاذعة لتصريحات وزير العدل حيمود ولد رمظان، التي قال فيها إن تعديل المادة 116 مكررة من المدونة التجارية يخدم تحسين تصنيف موريتانيا في منظومة تحسين مناخ الأعمال.
وقالت الهيئة في بيان صحفي تلقته «صحراء ميديا» اليوم السبت، إن حديث الوزير خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة، مساء الخميس الماضي، «تضمن الكثير من المغالطات»، واعتبرت هيئة المحامين أن قول الوزير إن «عبارة مكررة تدل على أن المادة مختلقة أو أنها في غير محلها مجرد مغالطة مكشوفة».
وأوضحت الهيئة أن عبارة (مكررة) الواردة في ترقيم المادة «تتعلق بتقنية معروفة من تقنيات الصياغة القانونية، يتم بموجبها تكرار الأرقام بالنسبة للمقتضيات الجديدة»، مشيرة إلى أنها مستخدمة كثيراً في القوانين الوطنية «والمدونة التجارية نفسها تضمنت حوالي 40 مادة مكررة».
وأكدت الهيئة الوطنية للمحامين أن إدراج المادة عام 2015 جرى بعد تشاور واسع، خلال ورشة كان مقررها وزير العدل الحالي، معتبرة أن التعديل الجديد «أعد في الظلام، ودون أدنى تشاور»، وفق نص البيان.
كما انتقدت الهيئة الوطنية للمحامين قول وزير العدل إن تعديل المادة يخدم موقع موريتانيا في منظومة حسين مناخ الأعمال (دوينك بيزنس)، وقالت إن المادة المذكورة أدرجت عام 2015 من أجل «تحقيق انسجام النصوص الوطنية مع منظومة تحسين مناخ الاستثمار»، معتبرة أن «التراجع عنها هو الذي سيفقد البلد مركزه في المنظومة وليس العكس».
وأشارت هيئة المحامين إلى أن المغرب وتونس تفرضان تحرير المحامين للكثير من العقود، يحتلان مراتب متقدمة في تقرير (دوينك بيزنس) لهذا العام بالمقارنة مع موريتانيا، واصفة القول بأن «إسناد تحرير العقود للمحامين يؤثر سلبا على موقع موريتانيا في منظومة دوينك بزنس مجرد تكلف بارد»، وفق نص البيان.
ورفضت الهيئة الوطنية للمحامين وجود أي تعارض بين صياغة المحامين للعقود وتوليهم مهمة الدفاع، وذلك وفق الراي القائل بأن «تحرير المحامي للعقود يتيح له الإطلاع على أسرار لا ينبغي له الاطلاع عليها، ويجعله في حالة تعارض عندما يكون مدافعا عن أحد أطراف العقد، وأن المادة تتعارض مع قانون الموثقين».
وقالت الهيئة إن «المحامي هو من يكفل قانونية وفاعلية صياغة الأعمال القانونية والعقود وفقا لتوقعات الفرقاء، وتوجب عليه قواعد ممارسة المهنة رفض المشاركة بصياغة أي عمل أو عقد غير شرعي أو احتيالي».
وأكدت الهيئة أن «المحامي الذي يحرر العقد بتكليف من الطرفين يسهر على احترام توازن مصالحهما معا، ويمتنع عليه حينئذ تمثيل أي من الطرفين في القضايا التي تثير قانونية تنفيذ أو تفسير العقد المذكور».
ولكن الهيئة أشارت إلى أن المحامي إذا كان قد حرر العقد نيابة عن طرف واحد «حينها يلزمه إعلام الطرف الآخر بحقه في الاستعانة بمحام، ولا يمتنع عليه حينها تمثيل الطرف الذي صاغ العقد نيابة عنه، وهذه هي نفس القواعد المتبعة في مجال الاستشارة القانونية».
ووصفت الهيئة الوطنية للمحامين قول الوزير إن «قانون الموثقين يسند تحرير العقود للموثقين» بأنه «مغالطة وتضليل واضح»، مؤكدة أن المادة الأولى من قانون الموثقين تنص على أنهم «مأمورون عموميون مكلفون باستقبال العقود والتصرفات التي يريد الأطراف إعطاءها الصفة الرسمية».
وخلصت الهيئة إلى القول إن تبرير الوزير لتعديل المادة بالحد من اطلاع المحامين على أسرار العقود،
يدل على ما وصفته بأنه «رغبة شديدة لدى البعض في مناهضة شفافية العقود»، وبالتالي فتح الباب أمام ما قالت إنه «التهرب الضريبي، وعمليات تبييض الأموال، والمعاملات المشبوهة».
واعتبرت الهيئة الوطنية للمحامين أن «مغالطات» وزير العدل «لا تخلو من أحد أمرين، فإما أنها مغالطات متعمدة للرأي العام وكذب وتضليل، وهو مالا يتناسب مع منصب وزير العدل حافظ الخواتم، وإما أنها عن جهل فتلك أدهى وأمر».
وكانت الحكومة الموريتانية قد قررت منتصف شهر سبتمبر الماضي تعديل بعض مواد المدونة التجارية، وأصبحت بموجب هذا التعديل جميع العقود المتعلقة بالأصل التجاري من اختصاص المحامين، بينما أصبحت العقود الخاصة بالشركات التجارية من اختصاص الموثقين.
وبرر وزير العدل آنذاك هذه التعديلات بأنها «ستمكن من سرعة القيام بهذه العقود»، وهو ما أكد أنه يدخل في سياق «الإصلاحات الرامية لتحسين مناخ الأعمال وتقريب الخدمات من المواطنين والزبناء».