يتسلل صوت مجموعة من الطلاب الغاضبين ليكسر سكون ليل وسط العاصمة نواكشوط، فقد قرر هؤلاء الطلاب الاعتصام أمام مباني وزارة التعليم العالي للضغط عليها حتى تتراجع عن قرار تحديد سن دخول الجامعة.
عندما تغلق المحلات التجارية أبوابها بعد يوم شاق من العمل، وينتهي الدوام في الوزارات والإدارات والبنوك، وتغادر آخر سيارات الأجرة المرابطة قبالة عمارة «آفاركو» الشهيرة، ويتسلل الليل إلى شوارع «كبتال»، حينها يبدأ الطلاب سمرهم أمام مباني الوزارة.
يمضون أغلب وقتهم في الأحاديث والنقاشات التي يتمحور أغلبها حول أساليب النضال وعدالة قضيتهم، وكيف سينجحون في إرغام الوزارة على التراجع عن قرار يرونه «جائراً» في حقهم، وفي بعض الفترات يصل الحماس بأحد الشباب درجة الهتاف في مكبر صوت: «فليسقط وزير التعليم العالي سيدي ولد سالم»، كاسراً بذلك سكون المكان.
يتردد صدى هتافات الطالب المتحمس في الأرجاء، فالوزارة خالية من الموظفين، وحدهم الحراس البسطاء يقفون عند البوابة، وهم لا يفهمون لماذا يصرخ فيهم هذا الشاب المنفعل بسقوط الوزير، وماذا يعني سقوط الوزير ؟!
وحدات الشرطة المرابطة في المكان تراقب الطلاب عن بُعد، بينما يتعمد أحد الطلاب أن يهتف على مسمع من الشرطة، قائلاً إن عصا القمع لن تمنعهم من الدفاع عن حقوقهم، ويسود الصمت لعدة دقائق في المكان.
«محمد سالم» شاب موريتاني يبلغ من العمر 25 عاماً، حصل على شهادة الباكالوريا هذا العام ويرغب في دخول الجامعة لإكمال تعليمه، ولكن رغبته اصطدمت بقرار وزير التعليم العالي الذي يمنع من وصل 25 عاماً من ولوج الجامعة.
يعتصم «محمد سالم» رفقة زملائه الطلبة أمام وزارة التعليم العالي، ويقول في حديث مع «صحراء ميديا» إنه لم يفهم الهدف من القرار، قبل أن يتساءل: «ترى ما مصير هؤلاء الشباب، هل هو الشارع أم الإرهاب والعصابات الإجرامية».
يضيف «محمد سالم» وهو يتناول كأس شاي أعده أحد رفاقه: «لن نقبل بهذا القرار الذي يحرمنا من الدراسة الجامعية»، يتناول رشفة من كأسه ويضيف: «إنه قرار جائر، لا يخدم مصلحة موريتانيا، والأجيال القادمة».
يصيح أحدهم في مكبر الصوت، لينبههم على قضيتهم التي جاؤوا من أجلها، ثم تصدح الحناجر مرددة بصوت واحد: «التعليم حق للجميع»، كانت أصواتهم تحمل بعض التحدي لعناصر الشرطة المرابطة عند بوابة الوزارة.
يستمر الاعتصام على وقع كؤوس الشاي وبعض النقاشات المتشعبة، من أزمة التعليم إلى أزمة الحياة، صعوبة العيش وغلاء الأسعار، وصولاً إلى انتشار البطالة وكيف سيحصلون على عمل بعد تخرجهم من الجامعة، والآمال التي حملها الغاز.
مع اقتراب منتصف الليل، بدأ حماس المعتصمين يخف بينما بدأت وحدات الشرطة تشهد بعض النشاط، قبل أن يخرج مفوض شرطة ليطلب من المعتصمين مغادرة المكان بهدوء ودون مشاكل، ولكن الطلاب رفضوا المغادرة.
بعد دقائق عاد المفوض وكرر طلبه، ملوحاً باللجوء إلى القوة لتفريق الاعتصام بحجة أنه «غير مرخص» من طرف السلطات، ولكن الطلاب رفضوا الاستجابة مؤكدين أن الاعتصام سلمي وحق دستوري لن يتنازلوا عنه.
في أقل من دقائق معدودة كانت واجهة وزارة التعليم العالي خالية بشكل تام، فقد فرقت الشرطة المعتصمين، وأوقفت عدداً منهم، وقال أحد الطلاب إنها صادرت هواتف الطلاب ومسحت صوراً ومقاطع فيديو تثبت تعرضهم للضرب والتنكيل.
إن مثل هذه الصور والفيديوهات هي التي حولت قضية الطلاب إلى قضية رأي عام في البلاد، وحصلوا على تعاطف غير مسبوق من طرف الموريتانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت صور قمعهم من طرف الشرطة.
إلا أنه في ظل هذا التعاطف الكبير، يخشى الطلاب أن تحضر الصبغة السياسية في قضيتهم، خاصة في ظل الحضور القوي للاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا في القضية، وهو أقوى اتحاد طلابي في البلاد، ويسيطر عليه الإسلاميون المعارضون.