أمام الثانوية العربية، إحدى أعرق المنشآت التعليمية في نواكشوط، يتجمهر عشرات الطلاب، بعضهم يمارس هواية «الرماية» بمسدسات بدائية، يحاول أن يصيب الهدف المتمثل في بقايا سجائر مسنودة على عيدان صغيرة الحجم، فأغلبهم لم يدخل قاعة الدرس منذ بداية السنة الدراسية.
يبدو المشهد عند بوابة الثانوية وكأن الوقت فُسحة، لكن بالنظر إلى الساعة سنجد أنه وقتُ محاضرات؛ مع الاقتراب أكثر من البوابة كان عشرات الطلاب يحاولون الدخول إلى مبنى المدرسة، بعضهم يمنعُ لأنه تأخر عن موعد الدوام، والآخر لا يحملُ بطاقة تسجيل، وآخرون لم يسجلوا بعد.
طلبتُ الدخول إلى مبنى الثانوية بعد أن عرفت بنفسي على أنني صحفي يرافقني مصور، سمحوا لنا بالدخول على الفور، فتوجهنا إلى المدير الذي رحب بنا، فطلبنا منه تصريحاً حول سير الأمور داخل الثانوية بعد أكثر من أسبوعين على افتتاح السنة الدراسية.
رحب المدير بالفكرة، ولكنه قبل أن يدلي لنا بأي تصريح قرر أن يستشير المديرة الجهوية للتعليم، التي أعطته أمراً بعدم الحديث لنا، فاعتذر بلباقة وصرفنا خارج ساحة الثانوية التي كانت الدروس تلقى في بعض فصولها، ولكن أغلبها كان مغلقاً.
الثانوية العربية
تأسست الثانوية العربية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بتمويل من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، فكانت تحمل منذ تأسيسها شحنة قومية زائدة، وردة فعل قوية ضد الثقافة الفرنسية الطاغية آنذاك.
كانت الثانوية العربية بعد تدشينها إحدى معالم نواكشوط البارزة، والتي يزورها القادمون من داخل البلاد، فالأموال الليبية شيدت أكبر ثانوية في البلاد، كان تصميمها جديداً في العاصمة الفتية، كما أن اسمها كان يثير شيئاً في نفوس الموريتانيين المسكونين آنذاك بالمد القومي العروبي.
مع مرور السنين خفت بريق الثانوية التي تخرج منها عدد كبير من أطر موريتانيا، وقبل سنوات قليلة قررت السلطات أن تخصصها لتدريس التخصصات الأدبية حصراً، ما زاد من عزلتها في ظل الإقبال على الشُّعب العلمية.
أصبحت الثانوية العربية هي مركز الشعب الأدبية، فتحملت العام الماضي عبء الانتقادات التي طالت المنظومة التعليمية في البلاد، حين توقفت نسبة النجاح في الشعبة الأدبية عند 1 في المائة، وهي نسبة ضعيفة جداً واعتبرها الكثير من الموريتانيين دليلاً على فشل التعليم في البلاد.
غياب الأساتذة
خرجنا من ساحة الثانوية العربية، نحو الشارع المقابل لبوابتها، حيث يتجمهر الطلاب الذين كانوا أكثر حماسا واستعدادا للحديث، الكثير منهم يشتكي غياب الأساتذة، والعديد منهم في حديثه مع «صحراء ميديا» قدر نسبة الغياب في صفوف الأساتذة بحوالي النصف، خصوصاً مدرسي المواد الأساسية في الثاونية العربية كأساتذة «الفلسفة» و«الأدب الفرنسي».
أحد الطلاب يتحدث معنا بانفعال، معتبراً أن الأزمة التي يعانون منها في التعليم العمومي هي أن بعض الأساتذة يفضلون قضاء أوقاتهم في المدارس الخصوصية، على الرغم من أنهم يتقاضون رواتب من الدولة، يضيف هذا الطالب: «يجب منع مثل هذا النوع من الأمور، نحن بحاجة لأساتذة يدرسوننا بجدية».
طالب آخر يبرر إقبال بعض الأساتذة على المدارس الخاصة بالبحث عن رواتب مجزية، مشيراً إلى أن الضحية هم أبناء الفقراء الذين يعجزون عن دخول هذه المدارس الخصوصية، داعياً إلى ضرورة الاستثمار في دعم وتطوير التعليم العمومي.
طلاب آخرون كانوا يؤكدون ضرورة توفير النقل من وإلى المدارس العمومية، معتبرين أن غياب نقل عمومي يجعل من تنقلهم يومياً نحو الثانوية رحلة شاقة ومهمة صعبة.
نفي الإدارة
عند تمام الساعة الثانية عشر زوالاً، كان المدير يستعد للخروج على متن سيارته من بوابة الثانوية، ولكن عطلاً في البوابة أجبره على الخروج راجلاً من باب صغير فرعي، بادرت إلى تحيته ومرافقته في جزء من الطريق، مستغلاً الفرصة للحديث معه.
عرضت عليه ما قاله الطلاب عن غياب الأساتذة، فنفى الأمر بشدة، مؤكدا أن حضور الأساتذة هذا العام كان قياسيا وغير مسبوق، لكنه اعترف ضمنياً بأن نسبة الحضور لم تكن مائة بالمائة، مؤكدا أن من غابوا «سيحضرون في أقرب وقت».
الحكومة الموريتانية تتحدث عن مشروع طموح للنهوض بالتعليم، مدعوم بمئات الملايين من الأوقية، لكن المعطيات الواقعية على الأرض، تشير إلى أن مساعي الحكومة ستصطدم بعقبات عديدة ومتنوعة، ليس أقلها نقص الكادر التعليمي، والظروف الصعبة التي يعمل فيها المعلمون والأساتذة.
مع أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أكد في برنامجه الانتخابي أن مسألة إصلاح التعليم لن تكون مهمة سهلة، معتبراً أن الأمر سيأخذ الكثير من الوقت ولن تكون ولايته الرئاسية التي مدتها خمس سنوات، كافية لتحقيقها.