استيقظت مدينة تمبكتو التاريخية التي تقع في شمال دولة مالي، اليوم الجمعة، على حالة من الهدوء المشوب بقدر كبير من الحذر، وذلك بعد يوم عاصف من المواجهات العرقية بين العرب والطوارق من جهة، والسونغاي من جهة أخرى، وهي المواجهات التي سقط فيها قتيلان وعدد من الجرحى.
مراسل «صحراء ميديا» في المنطقة نقل عن مصادر محلية قولها إن الوضع هادئ بعد أن خرجت أسر الطوارق والعرب من المدينة إلى الضواحي، وأثناء خروج إحدى الأسر مساء أمس تعرضت لإطلاق نار عند مخرج المدينة، ما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة والديهما بجراح.
وقالت تنسيقية الحركات الأزوادية، التي تمثل أكبر تجمع مسلح للحركات الأزوادية في شمال مالي، قالت إن جنوداً من الجيش الحكومي المالي هم من أطلق النار على السيارة التي كانت تقل الأسرة العربية.
واتهمت التنسيقية الجنود الماليين بالانحياز لصالح السونغاي ضد العرب والطوارق خلال أحداث العنف التي شهدتها المدينة.
بداية التوتر
منذ أسبوعين ومدينة تمكبتو تشهد مظاهرات يقودها ناشطون شباب للاحتجاج على ضعف البنية التحتية في إقليم تمكبتو، وغياب طرق معبدة تربط مدنه الكبيرة، ولكن هذه الاحتجاجات انحرفت عن مسارها عندما اختطف عاملان في المنظمات الإنسانية.
واتهم ناشطون من عرقية السونغاي، التي ينحدر منها العاملان المختطفان، شباباً من العرب باختطافهما، ما أحدث توتراً بين العرقيتين، سرعان ما تطور إلى أعمال عنف وقع فيها العديد من الضحايا.
وتقول مصادر عربية من تمبكتو إن شباباً من السونغاي حاولوا مساء الأربعاء السيطرة على حي (اباراجو) الذي تقطنه أغلبية من العرب والطوارق، ولكن بعض الناشطين الشباب العرب أطلقوا النيران عليهم وأسقطوا العديد من الجرحى في صفوفهم، فيما برروا إطلاق النار بـ «الدفاع عن النفس».
وتشير ذات المصادر إلى أن شباب السونغاي عادوا للحي واستهدفوا منازل العرب واعتدوا على سكانها وقاموا باغتصاب سيدتين، وأضرموا النيران في إحدى السيارات وبعض الدراجات النارية، وهي الأحداث التي أرغمت أسر العرب والطوارق على الخروج من المدينة.
ردود الفعل
في أول ردة فعل على أعمال العنف، قالت تنسيقية الحركات الأزوادية في بيان صحفي، إنها «تدين بأقوى العبارات» ما شهدته المدينة التاريخية، وقالت إنها أعمال عنف «استهدفت السكان المدنيين حسب انتمائهم العرقي».
واعتبرت التنسيقية أن هذه الأعمال تهدد بـ «الانزلاق نحو مواجهات ذات طابع عرقي»، قبل أن تدعو السكان إلى «ضبط النفس والهدوء، وعدم السقوط في فخ المواجهات والصراعات العرقية التي تبقى عواقبها غير مضمونة».
ولكن تنسيقية الحركات الأزوادية انتقدت بشكل ضمني عدم تدخل قوات بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مينيسما) التي يوجد جنودها في المدينة، ودعت البعثة إلى القيام بمهمتها وهي «أن تضمن بشكل تام وسريع حماية جميع السكان وخاصة من جنود الجيش المالي، وأن تتدخل لإنهاء أعمال العنف».
من جهة أخرى دعت التنسيقية الحكومة المالية إلى العمل على «ملاحقة المتورطين في هذه الأعمال لتحديد هوياتهم ومعاقبتهم، وذلك من أجل حماية وضمان السلم الاجتماعي».
أما بعثة الأمم المتحدة فقد دعت إلى «وقف فوري للاضطرابات» معبرة عن «قلقها الشديد حيال الصعود القوي للعنف العرقي في بعض أحياء مدينة تمكبتو»، مشيرة إلى أنها لم تحدد بعد سبب هذا الصعود القوى للعنف العرقي.
وقالت البعثة إنها تتابع عن كثب الوضع في المدينة، مشيرة إلى أن حماية جميع السكان وممتلكاتهم، وتأمين مدينة تمكبتو «هي المسؤولية الأولى لقوات الأمن والدفاع المالية» مؤكدة أن البعثة تقدم «المساعدة» حسب ما تمنحه قرارات الأمم المتحدة.
ولكن البعثة أكدت أن هنالك «عمل أمني منسق» يتم الآن ما بين شرطة الأمم المتحدة وقوات المينيسما وقوات الدفاع والأمن المالية، من أجل مواجهة الوضع في تمكبتو، من دون أن تكشف البعثة عن طبيعة هذا العمل، مشيرة إلى أنها تجري اتصالات مع الحكومة لتهدئة التوتر.
التعليق الرسمي
الحكومة في تعليقها على أعمال العنف دعت جنود الجيش المالي إلى «حماية جميع السكان وحماية ممتلكاتهم بالتعاون مع حلفائهم على الأرض»، مؤكدة أنها تندد بما وقع في المدينة واصفة ما جرى بأنه «مفاجئ».
وقالت الحكومة في بيان رسمي صادر عن وزارة الاتصال، إنها «قلقة حيال هذه العقلية الجديدة في تسوية الخلافات العرقية»، داعية إلى إحياء ما سمته «الحكمة الأسطورية التي عرف بها سكان هذه المدينة المقدسة».
وأكدت الحكومة أنها تتابع عن قرب التطورات المتلاحقة في المدينة، داعية في الوقت ذاته المحتجين إلى التوقف الفوري عن أي أعمال استفزازية، وأعلنت أن جميع المتورطين في أعمال العنف ستتم ملاحقتهم ليقدموا للعدالة.
تمكبتو من الداخل
تمكبتو التي تعد واحدة من أقدم المدن في شبه المنطقة، وتحتل مكانة هامة في التاريخ الإسلامي، تقطنها العديد من العرقيات منذ عدة قرون، من أبرزها العرب والطوارق والسونغاي والبمباره، ولكنها منذ أن قامت الدولة الوطنية (1960) كانت دوماً مسرحاً لتوتر عرقي بسبب الصراع الدائر بين إقليم أزواد والحكومة المركزية في باماكو.
ووقعت تمكبتو عام 2012 تحت سيطرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ما أدى إلى خروج عدد كبير من سكانها، بعضهم توجه إلى الأراضي الموريتانية، والبعض الآخر توجه نحو المدن الجنوبية، وخاصة باماكو.
ولكن تمكبتو التي تقع على نهر النيجر وتحظى بمكانة علمية وتاريخية كبيرة، تعاني من مشاكل في البنية التحتية وضعف الاقتصاد بسبب الوضع الأمني الصعب، وتوصف بأنها واحدة من أفقر المدن في مالي وذلك بعد أن توقفت السياحة فيها بشكل تام.