حالة من الهدوء والاطئنان تعيشها قرية «آجوير تنهمّد»، اليوم السبت، بعد أيام من الذعر عاشها سكان القرية عندما ظهرت حالات مرضية هي عبارة عن تورم وتقرحات جلدية، أعادتها السلطات الصحية والإدارية إلى ارتفاع نسبة الأملاح في المياه التي شربها سكان القرية لعقود طويلة.
قرية «آجوير تنهمّد» التي تنام على الكثبان الرملية الممتدة في سهول الترارزة، جنوب غربي موريتانيا، وجدت نفسها في قلب الحدث الوطني، وهي التي تعود سكانها على الحياة الهادئة والوديعة، ذلك ما يؤكده أحد أبناء القرية معلقاً على ما عاشته قريته خلال الأيام الماضية.
يضيف الشاب متحدثاً إلى موفد «صحراء ميديا»، أن الوضعية كانت صعبة جداً وساد الذعر في أوساط السكان، لقد كان الجميع يتحدث عن السيناريو الأسوأ، وهو أن الأمر يتعلق بمرض خطير، ولكن تحرك السلطات أعاد الطمأنينة إلى نفوس السكان، على حد تعبير عمدة بلدية بوطلحايه التي تتبع لها القرية.
تلوث المياه
الطبيب الرئيس في بلدية انتيكان، الدكتور محمد الأمين ولد أشفاغه، كان أول الواصلين إلى القرية، وبدأ بمعاينة السكان وعندما شخّص سبع حالات أبلغ السلطات الإدارية بها، ليبدأ التحرك الرسمي لمواجهة الوضع، وارتفعت الحالات فيما بعد لتصل إلى أكثر من أربعين حالة.
وصل موفد «صحراء ميديا» إلى قرية آجوير صباح أمس الجمعة، كانت حينها الحركة هادئة وطبيعية في القرية، حتى النقطة الصحية التي كانت مركز الأحداث خلال الأيام الماضية، بدت هادئة وخالية من أي زوار، وهنالك حديث عن بداية تماثل العديد من الحالات للشفاء بعد أن توقف أصحابها عن شرب مياه آبار القرية.
السلطات التي حصلت على تقارير بعد تعميق التحاليل والفحوصات، أصدرت قراراً بمنع شرب المياه التي تنتجها خمسة آبار ارتوازية في القرية، وجلبت صهريجين من العاصمة نواكشوط لتوفير المياه بشكل مؤقت في القرية.
يجلب الصهريجان المياه الصالحة للشرب من القرى المجاورة بشكل يومي، بينما جلب بعض رجال القرية وشخصياتها المياه المعدنية من العاصمة نواكشوط، وقاموا بتوزيعها على السكان، وذلك ما جنب القرية مخاطر العطش.
وقد خلفت هذه الوضعية إقبالاً كبيراً على قنينات المياه المعدنية التجارية، وأصبحت هي أكثر بضاعة يجلبها أصحاب المحلات التجارية من العاصمة نواكشوط، على متن سيارات نقل الأشخاص والبضائع التي تربط القرية بنواكشوط بشكل يومي.
في غضون ذلك جلبت وزارة المياه والصرف الصحي آليات لحفر بئر ارتوازية جديدة تكون مياهها صالحة للشرب، فيما عملت الفرق الفنية التابعة للوزارة منذ أمس على البحث عن إحداثيات البئر الجديدة.
من جهة أخرى سمحت السلطات للسكان بالاستمرار في استخدام مياه الآبار القديمة للأغراض المنزلية والزراعية، ولكنها منعت أي استخدام بشري لهذه المياه في الشراب أو الطعام، وقد أعاد هذا القرار الطمأنينة إلى نفوس السكان الذين أكدوا لموفد «صحراء ميديا» التزامهم به.
حالات قديمة
الأحاديث التي أجراها موفد «صحراء ميديا» مع السكان أوضحت أن هذه المتلازمة وحالات التورم كانت تظهر بين الفينة والأخرى لدى بعض الأفراد، ولكن بشكل منفرد وبالتالي لم تلفت انتباه أحد، ولكنها خلال الأشهر الثلاثة الماضية تصاعدت وتيرتها بشكل ملحوظ.
تقول سيدة في حديث مع موفدنا، إن ابنتها أصيبت بالمرض قبل مدة، وتصفه بأنه «عبارة عن تورم وضيق في التنفس، ولكن عندما نقلناها إلى العاصمة نواكشوط شفيت منه، وأكد الأطباء بعد الفحوصات أنه غير خطير، وأنه ناتج عن ارتفاع نسبة الأملاح في الشراب».
وتضيف السيدة أنها «بعد أن شفيت مريضتنا عدنا إلى القرية، ومؤخراً ظهرت حالات مشابه لدى العديد من السكان، وعندما بدأ التحرك الرسمي ووصلت البعثة الصحية جلبنا مريضتنا واستشرناهم إن كانت تحتاج للعلاج من جديد، فأكدوا أنها لا تحتاجه، وإنما عليها فقط أن تحذر من شرب المياه المستخرجة من الآبار الحالية».
آثار نفسية
عمدة بلدية بوطلحاية التي تتبع لها قرية «آجوير تنهمد»، محمدن ولد محمد ديه، قال في تصريح لموفد «صحراء ميديا» إن ما عاشته القرية طيلة الأيام الماضية خلف «آثاراً نفسية» على السكان، وأضاف: «المجتمع كان يشرب مياها ملوثة لفترة طويلة، أكثر من خمسة وثلاثين سنة، وهو أمر صعب جداً وخلف آثاراً نفسية لدى السكان».
ولكن العمدة عاد ليؤكد أن «الاهتمام وسرعة التعاطي الرسمي والإعلامي مع الوضع خفف تلك الآثار النفسية لدى السكان»، وأضاف: «الحمد لله الأمور طبيعية، ولم تحدث حالة هلع، ولم يضطر أحد للتوجه إلى نواكشوط من أجل العلاج، والوضع أعتبر أنه يسير بشكل طبيعي».
وأوضح العمدة في حديثه مع «صحراء ميديا» أن فحوصاً أجريت على 43 شخصاً أكدت إصابتهم جميعاً بالمتلازمة، وهو الفحص الذي وصل إلى مكتب وزير الصحة، ولكن العمدة قال: «لقد بشرني معالي الوزير، وهو مختص وتحدث مع المختصين في اجتماع حول الموضوع، بشرنا أن هذه المتلازمة ليست خطيرة، ولا تصنف الكلى المصابة بها على أنها مريضة، ولله الحمد الناس هنا مطمئنة جداً»، على حد تعبيره.
وعبر العمدة عن ارتياحه وارتياح سكان القرية للتعاطي الرسمي مع الوضع، وقال: «الدولة استنفرت والرئيس تدخل في الملف شخصياً، وأرسل وفداً وزارياً كبيراً إلى القرية، وأبدت الحكومة استعدادها لتحقيق جميع مطالبنا»، وكانت مطالب السكان التي نقل العمدة هي «فتح مركز صحي في القرية، يكون مجهزاً بشكل تام، وتوفير سيارة إسعاف» في حين توجد في القرية نقطكة صحية بها ممرض وحيد.
تقارير دورية
لقد تحولت قرية «آجوير تنهمد» بين عشية وضحاها إلى محط سباق محموم بين أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية، فعلى مدار الساعة تعد كل جهة تقريراً عن تطور الوضع في القرية الصغيرة البالغ تعداد سكانها قرابة ثمانية آلاف نسمة.
وتصدر هذه التقارير عن حاكم مقاطعة اركيز، الذي تتبع له القرية، والإدارة الجهوية للصحة في ولاية الترارزة، بالإضافة إلى تقارير تعدها فرقة الدرك الوطني، وكل هذه التقارير ترفع إلى السلطات العليا بشكل فوري.
ويتحدث السكان في القرية عن خطأ ورد في أحد التقارير رفع إلى وزير الداخلية يوم الخميس الماضي، يشير إلى وفاة سيدة بسبب المرض، ما دفع الرئيس إلى إعلان حالة استنفار قصوى في أعقاب مجلس الوزراء، قبل أن يتبين فيما بعد عدم دقة المعلومة.
إلا أن الرئيس أمر على الفور بإيفاد البعثة الحكومية للاطلاع ميدانيا على الوضع وتنفيذ مطالب السكان، ليتحرك وزير الصحة ووزيرة المياه على الفور إلى القرية التي تبعد عن نواكشوط أكثر من مائتي كيلومتر.