أصدر مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” أمس (الأربعاء) دراسة مطولة عن الأسباب ”الجذرية للتطرّف في موريتانيا“، تحت عنوان ”السيطرة والاحتواء: الإسلاميون في موريتانيا والاستراتيجية ضد التطرف العنفي.“
وقال المركز إن الدراسة ”استندت إلى عمل ميداني، في موريتانيا، ومقابلات مع مسؤولين، ورجال دين، ومع جهاديين سابقين“، وفق تعبير المركز.
وأشار ت الدراسة إلى أن موريتانيا منذ موجة الهجمات التي أجتاحتها في الفترة ما بين 2005 و 2011 أثبتت ”أنها عصيّة على الجهادية بطريقة لافتة، على الرغم من وجود عوامل تُغذّي التطرف“. وفق نص الدراسة
وعزت الدراسة لمصادر في الحكومة الموريتانية قولها: إن البلاد تمكنت من الصمود في وجه العاصفة لأسباب عدّة أبرزها ” الجمع بحنكةٍ بين الحوار مع بعض الجهاديين المسجونين، وإعادة تأهيلهم ،وبين فرض عقوبة قضائية قاسية بحق آخرين، فضلاً عن تعزيز مراقبة المساجد والمدارس الإسلامية وترسيخ السيطرة عليها“.
لكن الدراسة حذرت مما سمتها ”النزعة الانتصارية للحكومة في موريتانيا“، مضيفة ” موريتانيا لاتزال غارقة في الفساد و والفقر، كما أن المناطق الواقعة عند الأطراف والحدود، التي تُشكّل معاقل الجزء الأكبر من “النشاط الجهادي”، بحاجة ماسّة إلى التنمية.
وعددت الدراسة العوامل التي ترى أنها تغذي الطرف في موريتانيا معتبرة أنها تشمل ”الانقسامات الاجتماعية العميقة، والفساد ـ والسلطوية، واشتداد القنوط الاقتصادي، توفر ملاذات جهادية آمنة، وساحات معارك خارجية في الجوار آخرها مالي“.
وقالت الدراسة إنه رغم أن ”النزعة الجهادية العنيفة غير سائدة في أوساط الإسلاميين الموريتانيين، إلا أن البلاد تنتج منذ وقت طويل عددا كبيرا من الجهاديين الذي ينضمون إلى المجموعات المقاتله الإقليمية، ولا سيما نسبة إلى عدد سكانها الصغير“. على حد تعبير الباحث.
واعتبرت الدراسة ما سمته ”العنف الجهادي“ في موريتانيا في جوهره رد فعل على العوامل الداخلية التي تزداد سوءاً، وتتمثّل في ”التصدّعات الديمغرافية والبؤس الاقتصادي الاجتماعي والفساد وسياسات الأنظمة العسكرية المتعاقبة التي أغلقت الفضاء السياسي أمام التيارات الإسلامية وحرية التعبير“، وفق نص الدراسة.
وتطرقت الدراسة لتعاطي الحكام الموريتانيين مع الإسلاميين، قائلة إنهم ”تعاطوا مع الإسلاميين عبر اللجوء إلى خليط من الاستيعاب والتنظيم والقمع بهدف تدعيم شرعيتهم المترهِّلة منذ أًصبحت البلاد جمهورية إسلامية في العام 1960“.
وفي هذا الإطار، أعتبرت الدراسة حكم معاوية ولد الطايع يكتسي أهمية خاصة،، مشيرة إلى علاقته المتقلبة مع الإسلاميين والسلفيين، التي تراوحت بين الدعم والتوقف والعفو، وهو ما يرى الباحث أنه ربما ساهم في جنوحهم نحو مزيد من التطرف.
وخصصت الدراسة حيزا كبيرا منها للحوار الذي انتهجته موريتانيا مع ”السلفيين الجهاديين“ وتساءلت هل تكللت جلسات الحوار بالنجاح؟
ووصفت المعايير التي استخدمت في اختيار الذين سيتم الإفراج عنهم، بأنها غير شفافة، كما أعتبرت عملية إعادة دمج السجناء السابقين غير متكافئة، بالإضافة إلى أن الحكومة لم تنفذ وعودها بتأمين وظائف مستدامةََ للشباب، بحسب الدراسة.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم أن موريتانيا لم تشهد منذ عقد من الزمن هجوما إرهابيا كبيرا على أراضيها، إلا إنه لا تزال تطرحٌ أسئلة حول ديمومة السلام، فضلا عن ثمنه.
وذكرت الدراسة أن الأشهر في هذا السياق هو ماتُلمّح إليه وثيقة مؤرّخة في مارس 2010 عُثِر عليها في المجمّع السكني حيث كان يُقيم أسامة بن لادن أثناء الغارة التي نفّذتها قوات العمليات الخاصة الأميركية في العام 2011، والتي تُشير إلى اتفاق مقايضة بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والحكومة الموريتانية.
ونقلت الدراسة نفي الحكومة الموريتانية والقاعدة لصحة الوثيقة، وتأكيد أطراف أخرى لها، لكنها أعتبرت الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن الحكومة الموريتانية تتبع ما سمته الدراسة ”نهج الالتباس المدروس“ في سياسيتها الخارجية والداخلية كوسيلة لتنفيس الضغوط وتحصين نفسها من ”الانتقادات الجهادية“.
ويعرف مركز كارنيغي للشرق الأوسط نفسه بأنه مؤسسة مستقلة للأبحاث السياسات و مقرّها في بيروت وهو جزء من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، التي تتخذ من العاصمة الأمريكية مقرا لها.