شهران فقط يفصلان موريتانيا عن انتخابات رئاسية حاسمة، ولكن هذه الانتخابات بدأت تلقي بظلالها على المشهد السياسي، محدثة تغيرات جوهرية في الخريطة التي ظلت سائدة خلال السنوات الأخيرة، وبدأ مع اقترابها موسم « الترحال السياسي ».
حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، ظل لعشر سنوات القبلة المفضلة للسياسيين في موريتانيا، وتعود على أن يشرع أبوابه في وجوه الوافدين الجدد، على غرار الأحزاب التي سبق أن حكمت البلاد، والتي لم يسبق أن عرفت انسحاب منتسبيها بل على العكس من ذلك ظلت قبلة للهجرة السياسية من منتسبي الأحزاب الأخرى.
وضعية تغيرت في الأيام الأخيرة، عندما أعلنت بعض الشخصيات خروجها من الحزب الحاكم، من أبرزها أجيه ولد أكليب الذي التحق بصفوف داعمي الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد ببكر، المنافس الأبرز لمرشح حزبه السابق محمد ولد الغزواني.
ولد اكليب برر استقالته في رسالة نشرها على « فيسبوك » بما قال إنه « التدخل المباشر لولد عبد العزيز في اختيار من سيخلفه في منصبه في الاستحقاقات الرئاسية القادمة ».
شخصيات من قيادات الحزب في داخل البلاد، وخاصة في ولاية لبراكنه ولعصابه، قد أعلنت دعم ولد ببكر، موجهة انتقادات حادة لسياسات الحزب وائتلاف أحزاب الأغلبية.
إلا أن الباب الذي خرج منه ولد اكليب وهذه الشخصيات، كانت قد دخلت منه شخصيات بارزة في المعارضة أعلنت دعمها لولد الغزواني، حتى وإن لم تعلن إنضمامها للحزب الحاكم٬ إلا أنها اليوم اصبحت تعد من تيار « الأغلبية » التي أعلنت دعمها لولد الغزواني.
السفير السابق وأحد مؤسسي حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية « تواصل » المختار ولد محمد موسى٬ كان من أبرز الخارجين من صفوف المعارضة، في خطوة خلفت جدلا واسعا في صفوف المنتسبين للحزب المعارض الأكثر تمثيلاً في البرلماني، بين رافض لهذا القرار وبين من يدعو لاحترام الرجل وحفظ سابقته في تاريخ الحزب.
وكانت استقالة ولد محمد موسى قد أثيرت حين ظهر مع ولد عبد العزيز في مهرجان المدن القديمة بمدينة تيشيت٬وهوما أعتبره تواصل عملا فرديا٬ إلا أن بعض المدونين حينها تساؤلوا ما إذا كان هذا الظهور مقدمة الاستقالة٬ وهو ماتم بالفعل بعد عامين على ذلك اللقاء.
حزب تكتل القوى الديمقراطية كان الأكثر تضرراً من الهزات التي تسبق الانتخابات، فقد أثار قرار الحزب عدم المشاركة في الانتخابات بمرشح ودعم ترشح محمد ولد مولود، الكثير من الخلافات التي أسفرت في النهاية عن خروج محمد محمود ولد أمات، أول رئيس للحزب ونائب رئيسه الحالي والتاريخي أحمد ولد داداه.
ولد أمات لم يكن تلك الشخصية التي يمكن أن تغير موقعها السياسي بهذه السهولة، ما يعني أن الحزب الأكثر شراسة في معارضة ولد عبد العزيز، يعاني من مشاكل كبيرة، وذلك ما حاول الرجل أن يشرحه في رسالة استقالته حين قال: « تتطلب وضعية الحزب مراجعات عميقة٬ وتتطلب الساحة السياسية وتطوراتها المتلاحقة قراءة تنفذ إلى عمقها، ولأنني لاحظت أن إلحاح هذه المراجعات غير حاضر عند قيادة الحزب٬ رأيت من واجبي أن أتأمل في حالنا وأراجع وأستخلص وأقوم لأخلص أنه لم يعد يناسبني الاستمرار في حزب تكتل القوى الديمقراطية٬ وعليه فإني أبلغكم باستقالتي منه ».
خرج ولد أمات من البوابة الرئيسية لحزب تكتل القوى الديمقراطية، ولكن لم يغلق الباب وراءه، وهو الذي يقف وسط الساحة السياسية دون أن يعلن موقفاً جديداً من الترشيحات الحالية، بينما يتحدث مراقبون عن رغبة الرجل في الترشح للرئاسيات، وأن هذه الرغبة لم تجد التقدير من حزبه.
في غضون أيام قليلة بعد استقالة ولد أمات، أعلن 12 عضواً من المكتب التنفيذي لحزب التكتل استقالتهم، لينضموا إلى سرب المهاجرين السياسيين في واحد من أكثر مواسم الهجرة سخونة في موريتانيا.