مجازر في موبتي هجرت قرى وأحياء من الفلان عن بكرة أبيها، وفي الشرق إبادات طالت أحياء ورعاة وعابري سبيل، لم يسلم منها حتى معتكفي بيوت الله، وفي تينبكتو دفن القتلى في حفرة واحدة ودفن معهم الأمن والإخاء والمحبة والوفاء.. الله وحده يعلم أين ستنتهي هذه الفتن وأين ستصل بهذا الشعب المسكين الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.
لم يعد السلب والنهب مشكلة ولا الجرائم الجنسية وحتى القتل الفردي أو حتى مقتل الرهط، سواء مدنياً أو عسكرياً فالأمر أصبح عادةً وإلفا والتمثيل بالجثث وتصوير التعذيب للتباهي بها أيضاً ألفناه، ولم تعد حتى مسألة بين مقاتلين أو حتى مسألة بين رجال (( ذكور )) لا، الأمر لم تعد تسلم منه حتى النساء فكيف بالصبية والشيوخ.
الأدهى والأمر من ذلك هو أن المبرر دائما موجود، فذاك يقتل ويمثل ويشرد بحق (( لا إله إلا الله )) ويسوق أدلته من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكلها أدلة قطعية لا نقاش ولا حوار ولا تفسير أو تأويل فيها، فإن قبلت فبها وإلا فإنك مرتد مباح دمك ومالك وعرضك.
وذاك مباح له كل شيء دون رقيب ولا حسيب من أجل (( وحدة التراب المالي )) أو من أجل (( الحرب ضد الإرهاب ))، فهو القاضي وهو الخصم يبطش بمن يشاء ويدني من يشاء، إذا خرق أمرا يجتمع له العالم ليرقعه وإن خان أو غدر زيف وحرف من أجله الكتاب والقدر.
وذاك يفعل ما يريد من أجل (( الحرية لأزواد )) فمن أجلها لا بأس بمئات الآلاف من اللاجئين والمشردين، من أجلها لا بأس بسلب ونهب الرعاة والمدنيين، من أجل الحرية لازواد لا بأس من تجارة الأسلحة والكوكايين، بل من أجلها لا بأس من التضحية ببعض الإخوة الازواديين.
( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )
كفانا صمتا وكفانا خوفاً وكفانا ذلا وكفانا اتباعا، ماذا ننتظر.. لقد أشرقت الشمس وانقشع الظلام والواقع يبصره الأعمى قبل المبصر، تحدثوا أيها الازواديين بما تعلمون واتركوا عنكم مقولة (( ليس كل معلوم يقال )) فهذه المقولة سوف تردي بنا جميعاً في الهاوية.
لماذا نحن صامتون… ألم يتسابق كل من ردد (( الحرية لازواد)) إلى أحضان مالي، لا أقول مكرهين بل والله راغبين طامعين ودليل ذلك التواجد الدائم في دهاليس باماكو وفي فنادقها ووقعوا على الاتفاقيات الواحدة تلو الأخرى وكل منها تنص بعكس ماتنص به الشعارات والاهازيج التي جعلونا نرددها ونتغنى بها. لماذا صامتون !
لقد انتهت مسرحية (( ثورة أزواد)) في هذا الفصل من فصولها مخلفة ورائها زعماء مافيا المخدرات وتجار البشر وعصابات المهربين والعصابات العنصرية بالإضافة إلى اللصوص والمرتزقة وكل واحد من هؤلاء وجد له مكاناً يناسبه لتنفيذ أجندته انطلاقاً من الثوار حماة الشعب والوطن ثم المجاهدين رجال الدين أصحاب راية التوحيد والجيش النظامي المالي وما أدراك ما الجيش المالي ومليشياته.
تأملوا معي تبادل الأدوار وتأملوا في تعدد الوظائف، اليوم مجاهد وغداً تاجر وبعده ثوري وهلم جرا، من تبادل المقاعد وتغيير الأقنعة وتزييف الحقائق وتعدد الحقائب وحتى أن أحدهم اليوم يقاتل هذا وغداً يصالح وبعد غد يطالح.
كل ذلك يحدث ونحن مجرد بيادق لا رأي ولا بصيرة امهاتنا في أرض اللجوء واخوتنا بين صفوف العدو وابناؤنا لا تعليم ولا نمو وارضنا لم تعرف الأمن ولا الهدوء.