طويت الخيام وأزيلت المنصة الكبيرة، وعادت الحياة إلى طبيعتها في مدينة النعمة، في أقصى شرقي موريتانيا، لقد خرجت المدينة للتو من واحدة من أكثر تجاربها قوة، حين تحولت لأيام إلى عاصمة للبلاد.
تضاعف بشكل لافت عدد سكان المدينة، وانتعشت بشكل غير مسبوق الحركة التجارية والاقتصادية فيها، وهي تحتضن احتفالات البلاد بالذكرى الثامنة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني.
انتعاش الإيجار
تحضيراً للاحتفالات توجهت إلى المدينة العديد من الإدارات الحكومية والشركات العمومية، وقضت عدة أشهر تعمل على التحضير للاحتفالات، وقد توجب على هذه الشركات والإدارات أن تؤجر مساكن في المدينة.
يتحدث السكان في النعمة عن وصول أسعار بعض المنازل إلى نصف مليون أوقية قديمة لشهر واحد فقط، بعضها اتخذ كمقر لشركات، والبعض الآخر كمساكن للإدارة أو العمال.
ارتفاع أسعار إيجار المنازل رافقه رافقه شُح في هذه المنازل، في ظل عدم وجود فنادق في المستوى أو إقامات كبيرة، وذلك ما خلق العديد من المشاكل للبعثات الحكومة والدبلوماسية التي شاركت في الاحتفالات.
الضغط كان كبيراً على ثلاث فنادق فقط توجد في المدينة، كانت قدرتها الاستيعابية متفاوتة جداً، وظلت خدماتها دون المستوى، وإن كانت شهدت بعض التحسن بمناسبة الحدث الكبير.
خلال الأيام التي سبقت الاحتفال بعيد الاستقلال وصل سعر الغرفة الصغيرة في نُزل وسط مدينة النعمة إلى 20 ألف أوقية قديمة عن الليلة الواحدة،
بينما اضطر الكثير من زوار المدينة إلى البحث عن حلول بديلة، كالإقامة عند معارف في المدينة التي اشتهر سكانها بالكرم، أو المبيت في الضواحي، حيث أجواء البادية والفضاء المفتوح.
وظائفُ مؤقتة
تحضيرا للاحتفالات تم إنجاز 12 كلم من الطرق الحضرية في مدينة النعمة، تشمل توسيع الطريق الرابط بين المطار ووسط المدينة، من 7 أمتار إلى 12 مترا، وبناء طريق التفافي ينطلق من مصنع الألبان في النعمة إلى ملعب المدينة.
هذه الأشغال فتحت باب رزق للمئات من أبناء المدينة، انخرطوا فى ورشات العمل التي امتدت لعدة شهور، وبحسب السكان فقد وصل الأجر اليومي للعامل إلى 3 آلاف أوقية قديمة.
هذه الأعمال والمهن التي انتعشت على هامش التحضير انعكست إيجاباً على القدرة الشرائية للمواطنين من أبناء مدينة النعمة، فزادت الحركة في السوق وأصبح أكثر حيوية.
الماء الغالي !
مدينة النعمة كانت تحتفل بعيد الاستقلال بالتزامن مع تدشين مشروع بحيرة الظهر، الذي جلب الماء الصالح للشرب للمدينة، ولكنها في المقابل شهدت طلباً غير مسبوق على قنينات المياه المعدنية، فقد وصل سعرها يوم العرض العسكري إلى 200 أوقية قديمة.
لقد شكل ذلك فرصة ربح أمام العديد من صغار التجار والباعة المتجولين، فمن النادر أن تتحول هذه البضاعة إلى سلعة رائجة في مدينة النعمة.
كما احتدم التنافس بشراسة ما بين شركات المياه المعدنية، ونقل القادمون من نواكشوط معهم بعض العادات في التعاطي مع هذه الشركات، ولكنهم رضخوا للسعر الجديد في ظل زيادة الطلب.
وكبديل للمياه المعدنية كان الإقبال كبيراً على شراء عصير مانغو مستورد من السنغال، ويقول أحد الزوار: « لأنه متوفر بأحجام صغيرة ويباع بسعر رخيص ».
تجارة الأعلام
بما أن الحدث وطني، لا بد أن تروج الأعلام والشعارات الوطنية، إنها المهنة الأكثر شهرة خلال تلك الأيام، فكان أغلب الزوار والمقيمين يحملون علماً أو يضعون شعاراً.
تنوعت أحجام الأعلام، ونوع القماش المستخدم في صناعتها، فيما بلغ سعر العلم من الحجم المكتبي 300 أوقية قديمة، بينما بيعت أعلام بحجم أكبر بسعر مضاعف.
وبرع الباعة فى استثارة المشاعر الوطنية للحضور من أجل شراء الأعلام التي اكتسحت الساحة الكبيرة التي تغص بالجماهير القادمة من أحياء المدينة المختلفة ومن خارجها.