تتنوع القصص المأساوية لحوادث السير التي تشهد عليها الكثبان الرملية المترامية على جانبي « طريق الأمل »، أطول طريق حضري في موريتانيا، يمتد على مسافة تزيد على 1200 كيلومتر، وأصبح بعض الموريتانيين يسميه « طريق الألم ».
في كل مقطع من الطريق، الذي يعبر من ست ولايات موريتانية، هنالك قصص كثيرة يرددها السكان، وأخرى يحكيها العابرون، فنسبة كبيرة من الموريتانيين تأثرت بحوادث السير التي تشهدها هذه الطريق، ولكل أسرة تمر حكاية مع الطريق.
« رحموا على أخي فقد وافاه الأجل المحتوم هنا في حادث سير بعد تصادم سيارته بسيارة نقل قادمة من العاصمة »، هكذا حدثنا الشاب محمد وهو على متن سيارة نقل حضري، تعبر من نفس المكان الذي توفي فيه أخاه.
شخص آخر يجلس بجوار سائق السيارة، محشوراً ما بينه وبين راكب آخر، قال وهو يعدل من جلسته بسبب ضيق المكان: « في نفس هذه المنطقة توفي ابن عمي في حادث رهيب، نام سائق السيارة لتنحرف عن الطريق، حدثت الكارثة فتوفي السائق ومعه ابن عمي البالغ من العمر 21 سنة ».
لم يعد مستغرباً لدى الموريتانيين سقوط عدد كبير من الضحايا في وقت واحد إثر حادث سير، إذ تحصد هذه الحوادث عشرات الضحايا من وقت لآخر، ما دفع بعضهم لوصف ما يجري بأنه « حرب طرقات ».
أسباب عديدة !
تُعد طريق الأمل واحدة من أقدم الطرق المعبدة في موريتانيا، وساهمت بشكل كبير في حل مشاكل العزلة عن مناطق واسعة من موريتانيا، وربطت شرق البلاد بالعاصمة نواكشوط، ولكنها في السنوات أصبحت أخطر طريق في البلاد.
الإحصائيات تشير إلى أن حوادث السير أصبحت شبه يومية على « طريق الأمل »، ما نتج عنه سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح.
ويرجع مراقبون كثرة حوادث السير إلى عدة أسباب، من ضمنها ما يتعلق بتهالك الطرق وضيقها وانعدامها في بعض الأحيان، بالإضافة إلى الإفراط في السرعة والحمولة الزائدة التي تجعل السائق يفقد السيطرة على سيارته.
وهنالك أسباب أخرى تزيد من حوادث السير تعود للسائق الذي يصر أحيانا على مواصلة القيادة رغم الإعياء والنعاس، وهو أمرٌ اشتهر به سائقو شركات النقل، حتى أن الركاب تعودوا على تكليف أحدهم بمهمة إيقاظ السائق كلما أخذته سنة من النوم وهو خلف المقود.
حصيلة كارثية !
يعتبر المقطع الرابط بين العاصمة نواكشوط ومدينة بوتلميت، الذي يمتد على مسافة 150 كلم، هو المقطع الأخطر، إذ تشير إحصائية صادرة عن مستشفى حمد بن خليفة إلى أنه يشهد 3 حوادث سير يوميا.
وقال أحمدو ولد بلال، رئيس قسم الحالات المستعجلة في المستشفى، إن حوادث السير شهدت ارتفاعا كبيرا خلال عامي 2014 و2015، وأكد أن معدل الحوادث خلال هذين العامين « وصل إلى 3 حوادث سير يوميا ».
وأضاف ولد بلال في تصريح لـ « صحراء ميديا »، أن معدل الحوادث انخفض سنة 2015 بسبب « توسعة بعض مقاطع الطريق »، ووصل هذا المعدل إلى « حادث سير كل يومين »، وفق تعبير ولد بلال.
ولكن هذا الانخفاض لم يدم طويلاً، فقد عاود معدل حوادث السير الارتفاع خلال العام الجاري (2018)، ويقول ولد بلال إن « العام الجاري كان الأكثر خطورة من بين السنوات الماضية، وكانت حصيلة الحوادث فيه كارثية ».
المقطع الأخطر
يُعد مستشفى حمد بن خليفة في مدينة بوتلميت، هو أكثر مستشفى يستقبل ضحايا حوادث السير في موريتانيا، وذلك بسبب وجوده في المقطع الأخطر من بين جميع مقاطع طريق الأمل.
وأظهرت دراسة أعدها المستشفى أن الحيز الجغرافي الممتد 50 كلم إلى الشرق والغرب من بوتلميت، شهد خلال الفصول الثلاثة الماضية من السنة الحالية (2018)، ما يزيد على 36 حادث سير، تسببت في مصرع 12 شخصاً، وإصابة 132 شخصاً، من ضمنهم 15 إصابتهم كانت خطيرة نقلوا على إثرها نحو العاصمة.
وبحسب نفس الدراسة فإن 80 في المائة من حوادث السير تقع في الفترة الصباحية، فيما كانت 78 في المائة من الحوادث « فردية » تنقلب فيها السيارة نتيجة حفرة أو انفجار عجلة أو أي سبب آخر، وفق الدراسة.
كما أظهرت الدراسة أن 15 في المائة من الحوادث كانت تصادم سيارتين صغيريتين، و7 في المائة فقط بسبب تصادم سيارة صغيرة مع شاحنة كبيرة.
ويبدو واضحاً من الأرقام أن أسباب حوادث السير عديدة ومتشعبة ومتداخلة، ولكن يبقى تطبيق القانون هو الضامن الوحيد للحد من الحوادث، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية الطرقية، ذلك ما يؤكده عشرات الشبان الناشطين في مبادرات للحد من حوادث السير.
ويقول هؤلاء الناشطون إن على السلطات الموريتانية أن تكون صارمة في تطبيق قانون السير على الجميع، ومعاقبة من يصفونه بـ « القتلة ».