على بعد أمتار من بوابة المحكمة العليا في العاصمة الموريتانية نواكشوط، وبالتزامن مع حديث الرئيس مع مجموعة من الصحفيين في باحة القصر الرئاسي في الناحية الغربية من نفس الشارع، يجلس مناضلون من « حزب الجبهة الشعبية » وآخرون من « حزب الاتحاد من أجل الجمهورية » على فراش واحد، يحتسون الشاي من نفس الكؤوس، ويترقبون نتائج إعادة فرز عدد من مكاتب التصويت.
« الجبهة الشعبية » ذلك الحزب المغمور الذي حقق مفاجأة عندما صعد رفقة الحزب الحاكم إلى الشوط الثاني في بلدية لكصر، خسر الحزب السباق نحو واحدة من أهم بلديات العاصمة، إلا أنه طعن في النتائج ووافقت المحكمة العليا على إعادة فرز بعض مكاتب التصويت، عملية يتابعها مناضلو الحزبين بترقب كبير.
شاي وسياسة
بسطوا فراشهم قبالة مقر المحكمة العليا، وأخذوا في إعداد الشاي على الفحم، مستحضرين أجواء البادية في شهر سبتمبر الطارد في نواكشوط، أحاديثهم تهيمن عليها قصص الانتخابات والتنافس، وبعض التحاليل حول مستقبل بلدية لكصر.
« ما هي إلا ساعات وسنعرف النتيجة التي ستسفر عنها إعادة الفرز »، يقول الشاب المختار وهو يشير إلى مقر المحكمة، حيث تجري عملية إعادة الفرز تحت إشراف لجنة من القضاة وبحضور ممثلين عن الأحزاب السياسية.
ولكن محمد الذي يقطن في بلدية لكصر، ويجلس على طرف الفراش منتظراً كأس شاي، قال إنه لا يتمنى أن تتغير النتيجة لأنه يدعم العمدة الحالي الذي أعاد الحزب الحاكم ترشحيه في الانتخابات الأخيرة لمأمورية ثانية.
« لا أمل في تغيير النتيجة، فالعمدة الحالي والمرشح لفترة أخرى حقق الكثير لبلديتنا »، هكذا يُعبر محمد عن تعلقه بالعمدة، لكن الأماني لا تؤثر على عمل القضاة داخل مقر المحكمة، وراء باب حديدي من الحجم الكبير مغلق بإحكام.
ساحة للجميع
غير بعيد من مجلس أصحاب الطعن فى نتائج بلدية لكصر، يتجمهر أنصار حزب آخر قدموا طعنا في نتائج بلدية السبخة، فالساحة الواقعة قبالة المحكمة العليا تسعُ الكل، هنا مجتمع موريتاني مصغر فرقته السياسة، وجمعه سمرٌ على شايٍ ينال كل فرد نصيبه منه بغض النظر عن انتمائه السياسي.
لا يولي أنصار الأحزاب المتنافسة المتسامرين في باحة المحكمة أي اهتمام لما يدور في القصر الرئاسي، الذي يلوح نخيله من بعيد، ولكن بوابة المحكمة العليا في « مركز الكون » بالنسبة إليهم، فمنها يخرج سعاة المحكمة لشراء حاجياتهم من الدكان المجاور، عندها تسنح لهم فرصة اقتناص بعض الأخبار.
أحد العاملين فى المحكمة يبشر الطرف الخاسر في الشوط الثاني أن القضاة احتسبوا له أصواتا جديدة من الصندوق العاشر، فترتفع الصيحات ابتهاجا، لكنهم لا يسرفون في تفاؤلهم فالحسم يحتاج إلى وقت إضافي وعدة كؤوس من الشاي « في انتظار العدالة ».
عدالة السمرْ
ساعات الانتظار طويلة ولا شيء يقطع رتابتها سوى الأحدايث التي تبتعد كثيراً عن السياسة، على وقع كؤوس يناوله شاب عشريني ينشط في حزب الجبهة الشعبية لغريمه في الحزب الحاكم، هنا تنتفى الصفة الحزبية عن النديم، فهو صديق ويجب إكرامه ولا شيء يُكرِم الموريتاني أكثر من كأس شاي على جناح انتظار.
وبما أن وقت لجنة القضاة التى تباشر عملها في مقر المحكمة غير محدد، فلا مناص من مواصلة إعداد الشاي، لكن فى المرة القادمة سيتولى شاب من الحزب الحاكم مناولة الكؤوس، هكذا يحققون العدالة فيما بينهم في انتظار أن تُعلن المحكمة « عدالتها ».
كثيرة هي الطعون المقدمة للمحكمة العليا والمجلس الدستوري، وتشير المصادر إلى أنها تقدر بالمئات، ما يعني أن القضاة أمامهم عمل شاق لحسم هذه الطعون، في معركة انتخابية يمكن وصفها بأنها « شوط ثالث » في انتخابات كانت الأكثر جدلاً في تاريخ موريتانيا.