أصبحت الرؤية واضحة بالنسبة لجميع الدوائر الانتخابية التي شهدت شوطاً ثانياً، يوم السبت الماضي، وحدها بلدية « الميناء » في العاصمة نواكشوط، ما تزال الرؤية فيها محجوبة بضباب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فأي السفينتيْن سترسوا على « الميناء ».
سفينة المعارضة سبق أن قاربت الرسو في « الميناء »، واحتفل ركابها بالنصر وألقى القادة خطباً حماسية، قبل أن تهب العاصفة وتعلو الأمواج، وتتغير وجهة الريح بما لا تشتهيه السفينة، فهنالك سفينة أخرى قادمة من بعيد، تحملها الريح ويتلقفها الموج، تريد الرسو في الميناء.
سفينة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، غابت عن « الميناء » لعدة سنوات، ولكنها هذه المرة لا تريد تكرار محاولات الرسو الفاشلة، عندما أبعدتها قبل خمس سنوات سفينة « التحالف الشعبي التقدمي »، تلك السفينة التي غرقت قبل أسبوعين في منتصف الطريق.
في الشوط الأول من الانتخابات كانت النتائج متقاربة جداً، إذ توقف الفارق عند 56 صوتاً فقط، لصالح تحالف المعارضة الذي حلّ في المرتبة الأولى متفوقاً على الحزب الحاكم، نفس السيناريو تؤكده محاضر الشوط الثاني التي تشير إلى تقدم تحالف المعارضة بصوت واحد فقط، ولكنه صوتٌ قادر على حسم مصير واحدة من أهم بلديات العاصمة.
أما حسابات لجنة الانتخابات فتعطي صورة مغايرة، إذ تمنح التقدم وبشكل غريب لصالح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وذلك بفارق 19 صوتاً، ما يعني أن هامش 20 صوتاً تم التحرك فيه ما بين محاضر مكاتب التصويت والمحضر النهائي الصادر عن لجنة الانتخابية.
كان واضحاً أن المشكلة جاءت عند إدخال الأرقام في التطبيق الإلكتروني للجنة، وهي عملية معقدة ويسهل فيها الخطأ، ولكن مثل هذا النوع من الأخطاء قاتل، لأنه يؤثر على نتيجة الانتخابات بشكل مباشر وصريح، على حد تعبير ناشط في المعارضة.
المعارضة احتجت لدى اللجنة، واجتمعت مع رئيسها مساء أمس الأحد، وعرضت عليه جميع المحاضر، ولكن الاجتماع لم تصدر عنه أي مخرجات واضحة لحسم الخلاف حول نتائج البلدية التي أصبحت توصف بأنها « آخر معارك » الانتخابات.
مصدر من داخل اللجنة قال لـ « صحراء ميديا » إن « الأرقام أدخلت في التطبيق ولا مجال للتراجع عنها »، مشيراً إلى أن على المعارضة أن تتجه نحو المحكمة العليا، المختصة في الطعون.
ولكن السيناريو الأحسن بالنسبة للمعارضة في حالة التوجه نحو المحكمة، هو اعتماد الطعن والأمر بإعادة الفرز في المكاتب التي تُثار حولها شكوك، أي أنه سيتم إلغاء المحاضر التي بحوزة المعارضة وكتابة محاضر جديدة، وهو ما يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات.
بلدية الميناء تعد واحد من أهم بلديات نواكشوط، ففيها توجد نسبة كبيرة من المصانع، كما يتبع لها ميناء نواكشوط المستقل (ميناء الصداقة)، واحدة من أكبر المنشئات الحيوية في البلاد، لتصبح هذه البلدية من أكبر بلديات موريتانيا من حيث المداخيل.
ولكن في المقابل تعد هذه البلدية من بين أفقر البلديات سكاناً، إذ تنتشر فيها الأحياء العشوائية وتغيب الكهرباء عن مناطق واسعة منها، كما تغزوا القمامة والمستنقعات العديد من شوارعها، ويتحدث سكانها عن انعدام الأمن في بعض أحيائها.