شهدت الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية في موريتانيا حملة انتخابية شرسة، عرفت إطلاق عدد كبير من الوعود الانتخابية من طرف ما يزيد على 6 آلاف مرشح، ولكن بعض هذه الوعود علق في الذاكرة لغرابته.
المرشحون الذين قطعوا على أنفسهم وعوداً انتخابية « غريبة »، في محاولة لاستمالة أكبر قدر من الناخبين، لم يكن يدر فى خلدهم أن صناديق الاقتراع سوف تخذلهم لهذه الدرجة، وستضع وعودهم في سلة المهملات.
ولعل من أبرز الوعود « الغريبة » التي تفاعل معها الموريتانيون، ذلك الذي كتبه مدير حملة أحد المرشحين الشباب للانتخابات التشريعية على مستوى العاصمة نواكشوط، حين قال إن المرشح سيجلب الفنان العربي الذي يختاره ناخبوه.
ولم يتوقف مدير حملة المرشح هنا، بل طالب كل من يصوت للمرشح، بإرسال صورة توثق عملية تصويته، ليضمن الجلوس قرب الفنان في الحفل، ذلك الفنان الذي لن يزور نواكشوط والحفل الذي لن ينظم، لأن المرشح لم يحصل على أكثر من 600 صوتٍ، تضعه في ذيل الترتيب.
مرشح آخر لبلدية ريفية في الشرق الموريتاني، حاول استقطاب الناخبين من خلال اهتمامات المنطقة التي ينحدرون منها، فقطع وعداً على نفسه بتوفير 500 تأشيرة سفر إلى دولة أنغولا الغنية بالنفط والتي كانت خلال السنوات الماضية قبلة للشباب الموريتاني.
كان من الغريب أن يعد عمدة شباب بلديته بالهجرة، وهو الذي تقع على عاتقه مهمة تطوير أساليب الحياة وإقناع السكان بالاستقرار، ولكن في ظل غياب برنامج انتخابي كانت « الهجرة » وعداً مقنعاً بالنسبة لهذا المرشح.
وعد هذا المرشح قابله الموريتانيون بكثير من السخرية، فكتب « بابا أدو » عبر صفحته على فيس بوك، وهو أحد الشباب المنحدرين من بلدية هذا المرشح: « هذا تحول جديد في طبيعة الوعود الانتخابية واعتراف من هذا السياسي بأن أفضل ما يمكن أن يقدمه لدائرته الانتخابية هو تأشيرة مغادرة لهذا البلد ».
المفارقة هي أن هذا الوعد كان ليكون مغرياً أكثر قبل أربع أو خمس سنوات، أما الآن فلم يعد بريق أنغولا يسيل لعاب الكثيرين، بعد الهبوط الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية، ولكن صناديق الاقتراع منعت تحقيق هذا الوعد الغريب.
مرشح آخر كان واعياً بالأزمة التي تضرب التعليم في موريتانيا، فقدم وعداً بأنه سيقدم 5 منح دراسية سنوية للطلاب الموريتانيين، في محاولة لسد الفراغ في المنح الصادرة عن وزارة التعليم العالي.
حتى هذا الوعد لم يسلم صاحبه من سخرية الموريتانيين، حين كتب أحد المعلقين على فيسبوك أن: « مستقبل الطلاب مهدد إذا عجز هذا المرشح عن النجاح ».
الغرائب لم تتوقف هنا، ففي العاصمة الاقتصادية للبلاد، مدينة نواذيبو، وقف مرشح أمام السكان ليعدهم بأنه سيتعاقد مع شركة إسبانية لتنظيف المدينة « على حسابه الشخصي »، وذلك لمدة خمس سنوات.
يبدو الوعد لافتاً ومغرياً للبلدية والدولة قبل السكان، ولكنه يبدو أيضاً مستحيلاً نظراً إلى التكاليف الكبير لعملية تنظيف المدينة، وخاصة من خلال التعاقد مع شركة أوروبية، وبالتالي أثار الوعد بعض الانتقادات التي اتهمت المرشح بتقديم وعد لا يمكنه تحقيقه، وبالتالي وصفته بأنه « وعد غير جدي ».
أحمد سالم عابدين، الباحث في علم الاجتماع، يرى أن « المرشحين يلعبون على احتياجات الناخب الضيقة، لذلك يركزون على البعد الشخصي فى الوعود، ويهملون التطرق للصالح العام للمدينة أو البلد ».
ويضيف ولد عابدين أن هذه الوعود « تسد فراغ البرامج الانتخابية »، ولكنه أكد أن « الناخب لا يصدقها في العادة »، وفق تعبيره.
لقد خرج أصحاب الوعود الانتخابية « الغريبة » من دائرة التنافس، وبقيت وعودهم معلقة من دون أن تتحقق، وهي التي كان يعتبرها الناخب الموريتاني « مجرد كلام سياسي فى حملة انتخابية عابرة ».