فرقة الشرطة المرابطة أمام مقر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، هدأت أعصاب أفرادها، وارتخت قبضتهم الأمنية في محيط مقر اللجنة، بعضهم لجأ لمظلات الحوانيت ومداخل البيوت المجاورة هرباً من شمس نواكشوط الحارقة، لقد أرهقتهم حالة انتظار وترقب نتائج الانتخابات التي تعيشها البلاد منذ أكثر من خمسة أيام.
داخل مقر اللجنة الواقع على ناصية شارع المختار ولد داداه، تسود حالة من الصخب فلا يُسمع سوى طقطقة أزرار الحواسب، التي يسابق من خلالها المهندسون العامُلون في إدارة المعلومات الزمن، وهم يعالجون النتائج القادمة من مختلف المراكز.
« لم يبق إلا القليل.. في غضون يومين سيخف الضغط وتُعلن النتائج »، هكذا يحاول أحد المهندسين الشباب تحفيز زميله عندما ضاق ذرعا بهذه « العملية السيزيفية »، على حد وصفه.
الأعينُ منكبة على أجهزة الحواسيب، والأصابع تلعب بلوحة المفاتيح، وعشرات المهندسين الشباب منهمكون في توظيب وإعادة معالجة النتائج التي تم فرزها، لكن هواتف بعضهم لا تنقطع عن الرنين، والسماعات على آذانهم، لتتحول قاعة مركز المعلوماتية داخل مقر لجنة الانتخابات إلى ما يشبه سوق أسهم نشط، في بلاد لم تعرف أبداً عالم الأسهم وأسواقها، وحدها الأصوات هنا ترفع الأسهم وتخفضها.
بعض الاتصالات من مرشحين للانتخابات، أو بعض المقربين منهم، يريدون معرفة النتائج التي حصلوا عليها، يقول أحد المهندسين: « بعض المرشحين عندما نعطيهم النتائج التي تحصلنا عليها ولا تكون في صالحهم، يلحون علينا من أجل تحسين ترتيبهم على القائمة، وكأننا مسؤولون عن سقوطهم أو نجاحهم الذي سبق أن قرره المواطنون وراء الستار ».
وإن كان هنالك عمال منهمكون في عملهم لدرجة إصابتهم بالإعياء الواضح، إلا أن أغلب العاملين في اللجنة يجوبون أروقتها دون أن تُعرف المهام التي يؤدونها، يضحكون ويتحدثون ويتكلمون عبر هواتفهم في اتصالات استعراضية مع بعض الشخصيات السياسية.
في نهاية رواق طويل في الطابق الأرضي من مقر اللجنة، تراكمت أكياس البطاقات وعلب الحبر، ليتخذ منها أحد العمال مخبأ سرياً يقيم داخله شاياً تجوب كؤوسه أغلب مكاتب اللجنة، مع ابتسامات عفوية يوزعها هذا العامل البسيط.
في الجهة الخلفية من مقر اللجنة، يقع المركز الإعلامي حيث يتجمع الصحفيون لمتابعة النتائج الجزئية التي تعرض بصفة آنية عبر شاشات كومبيوتر عديدة في القاعة، للمركز بوابة مستقلة يحرسها عناصر من الحرس، فيما تبذل اللجنة جهداً كبيراً لتحسين الظروف في المركز، خشية ما قد يكتبه الإعلام عن أدائها وهي التي تواجه الكثير من الضغط في هذه الفترة؛ يقول أحد الصحفيين الشباب إن اللجنة « تحاول رشوة الصحفيين ».
ولكن أغلب الصحفيين الموجودين في المركز انشغلوا عن دورهم الإعلامي، وتحولوا إلى مراسلين للأحزاب السياسية والمرشحين، وما تكاد تعرض نتيائج جديدة حتى يبحثون عن هواتفهم لنقلها على وجه السرعة إلى هذا المرشح وذلك الحزب.
خلال فترات ترقب نتائج جديدة، ينهمك الصحفيون في أحاديث وتحاليل عن « القاسم الانتخابي » وحظوظ المرشحين، وترتفع حدة النقاش على وقع المكسرات والفول السوداني الذي يشكل مادة رئيسية قبل احتساء كؤوس الشاي التي لا تتوقف.
حتى عناصر الشرطة عند بوابة المركز الإعلامي، لم يسلموا من الدخول في لعبة الأرقام التي تتطاير، يذرعون المكان ذهابا وإيابا لمعرفة آخر النتائج، فيما يجلس شرطي آخر على كرسيه مستنداً إلى الحائط غير مكترث بما يجري، منغمسٌ في هاتفه لقتل الوقت وكسر رتابة هذه الأيام الطويلة من الجلوس أمام بناية صفراء من داخلها سترسم معالم موريتانيا السياسية خلال السنوات المقبلة.