كشفت الحملة الانتخابية التي انطلقت ليل الخميس/الجمعة في موريتانيا عن سخونة غير مسبوقة في الحملات التي تعود عليها الموريتانيون، فمنذ اللحظات الأولى بدأت « الحرب الكلامية » بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز وقادة المعارضة الديمقراطية.
وصل ولد عبد العزيز إلى المنصة التي نصبها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في ساحة المطار القديم، تولى شخصياُ مهمة إطلاق الحملة الانتخابية للحزب، وبعث بذلك رسالة مباشرة للمعارضة مفادها أن المعركة ستكون معه شخصياً.
كان ولد عبد العزيز صريحاً في خطابه حين وصف الحملة الانتخابية بأنها « حملة استمرار النهج الذي بدأ قبل عشر سنوات »، ولكنه استدرك فيما بعد ليقول إن استمرار النهج « غير مرتبط بشخص معين »، مشيراً إلى أن الهدف من هذه الحملة هو « الحفاظ على ما حصلنا عليه » خلال السنوات العشر الأخيرة.
ولكن ولد عبد العزيز الذي كان متحمساً لدرجة الانفعال، وجه تهديدات مبكنة لمناضلي الحزب الحاكم الذين يصوتون ضد خيارات الحزب، وحاول تقديم رؤية تقدمية منهاضة للقبلية والمحسوبية، ودعا الموريتانيين إلى « تغليب البرامج الانتخابية ».
تصريحات ولد عبد العزيز أمام أنصاره في ساحة المطار، كانت استمراراً لتلك التصريحات التي أدلى بها أمام الأطر والمنتخبين في ولايات الشرق الموريتاني قبل أيام، والتي وصفتها المعارضة بأنها « حملة انتخابية سابقة لأوانها ».
كان رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض محمد ولد مولود، من ضمن أول المعلقين على خطاب ولد عبد العزيز، حين قال إن « أمله كبير » في أن يصوت الموريتانيون ضد توجيهات ولد عبد العزيز الداعية للتصويت للحزب الحاكم.
ولد مولود في تصريح خص به « صحراء ميديا » على هامش حفل انطلاق حملته الانتخابية، قال إن « تصريحات الرئيس الأخيرة في لعيون مشينة جدا »، قبل أن يتساءل: « كيف لرئيس أن يدخل في حملة انتخابية، وحتى أنه دخل فيها قبل انطلاقتها ».
وأشار ولد مولود إلى أن ولد عبد العزيز « استخدم سلطة الدولة التي هي للجميع، ووسائل الدولة التي هي للجميع أيضاً، من أجل القيام بحملة لصالح حزب معين »، وهو ما اعتبر أنه « انتهاك سافر لقواعد الديمقراطية، ولقواعد تسيير الأموال العمومية، وللدستور أيضاً ».
على صعيد آخر كان « حياد الدولة » حاضراً بقوة في خطاب نائب رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض أحمد محمود ولد امات، الذي قال أمام المئات من أنصار الحزب: « الدولة ليست محايدة » في هذه الانتخابات، واضاف: « اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابت ليست مستقلة، ولا يمكن أن تؤدي دورها كما يجب ».
وفي السياق ذاته قال نائب رئيس حزب التكتل: « هذه المرة سنقارع وننافس الدولة برئيسها الذي يفتتح الليلة حملة لحزب منافس »، وأكد أنه « من المعروف أن الرئيس ينحاز لطرف معين، وهذا يمس بالعملية الانتخابية، لأن مرشحي حزبنا ينافسون الرئيس ووزير الداخلية وجنرالات الجيش »، ولكن ولد امات أكد أمام أنصار حزبه: « نحن سنهزم الرئيس واتباعه ».
أما رئيس حزب التكتل أحمد ولد داداه، الذي ألقى خطابه في الظلام الدامس بعد انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من نواكشوط، فقد قطع الشك باليقين ودعا الرئيس الموريتاني إلى « الرحيل »، وقال إن نظامه « عاجز ومفلس ».
في غضون ذلك، حشد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية « تواصل »، الذي يعد الحزب المعارض الأكثر تمثيلاً في البرلمان الحالي، ويدخل هذه الانتخابات للمحافظة على هذه الصفة، حشد أنصاره في قلب نواكشوط وركز قادته في خطبهم على التحذير من التزوير، مع قليل من دروس الأخلاق السياسية والتعامل مع الخصوم.
رئيس الحزب محمد محمود ولد سيدي قال: « لن نقبل بتزوير إرادة الشعب واللعب بأصوات الناخبين »، مشيراً إلى أن « مناضلي ومناضلات تواصل سيصطفون أمام مكاتب التصويت لرقابة العملية الانتخابية ومنع التزوير »، وفق تعبيره.
ولم يفوت ولد سيدي الفرصة لينتقد ما قال إنه « تدخل السلطة التنفيذية لصالح طرف سياسي وشروعها في الحملة له قبل أوانها »، واصفاً ما جرى بأنه « خرق للدستور ».
« حياد الدولة » و « التزوير » هي المصطلحات السائدة في الجولة الأولى من الحملة الانتخابية، ما يؤكد أنها ستكون حملة « ساخنة » حسب العديد من التوقعات، وقد انتهت الجولة الأولى في العاصمة نواكشوط على وقع أمطار خفيفة علها تخفف من « سخونة » الجو السياسي المشحون في العاصمة.