اقتادت الشرطة الموريتانية صباح اليوم الثلاثاء، الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي من منزله إلى مفوضية الشرطة في مقاطعة الرياض، جنوبي العاصمة نواكشوط، وقد أثار هذا الاعتقال الكثير من الجدل خاصة وأن ولد اعبيدي الذي يوصف بأنه أشهر حقوقي في موريتانيا، يعد اليوم من أبرز المتنافسين على دخول البرلمان في الانتخابات التشريعية التي ستنظم فاتح شهر سبتمبر المقبل.
أمام مفوضية الرياض حيث يوجد ولد اعبيدي، تجمهر العشرات من أنصار مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية « إيرا » التي يقودها الرجل، كانت زوجته وبعض أقاربه في مقدمة المحتجين الرافضين للاعتقال، ويصفونه بأنه « تعسفي »، ولا يخلو من « أغراض سياسية ».
وردد المحتجون المصطفون على جانب الطريق، قبالة مبنى مفوضية الشرطة، شعارات من قبيل « لا للعنصرية »، و « الحراطين صامدين ».
رئيس حزب « الصواب » عبد السلام ولد حرمه، كان حاضراً أمام المفوضية، للتضامن مع حليفه في الانتخابات، فحركة « إيرا » التي منعتها السلطات من تأسيس حزب سياسي خاص بها، لجأت إلى التحالف مع قوميي حزب « الصواب ».
سارع ولد حرمه إلى كتابة تدوينة مقتضبة على الفيس بوك، قال فيها: « بقلق كبير نتابع خبر اعتقال مرشح لائحة الحزب الوطنية السيد بيرام الداه اعبيدي صبيحة اليوم من منزله في حي الرياض ».
ولكن ولد حرمه أكد في تدوينته أن هذا الاعتقال « يعيد إلى الأذهان أجواء العهود الاستثنائية في أخطر تجلياتها »، في محاولة واضحة لإعطاء صبغة سياسية لعملية الاعتقال.
نفس الموقف أكده ولد حرمه في مؤتمر صحفي عقده بعد ذلك، قال فيه إن السلطات تحاول « التشويش والتأثير » على ترشح ولد اعبيدي للانتخابات التشريعية.
في المقابل ظهر أن اعتقال ولد اعبيدي جاء بناء على شكوى تقدم بها الصحفي الموريتاني دداه عبد الله، الذي يتهم ولد اعبيدي بالإساءة إليه وسبه وتهديده والتحريض عليه.
وكان ولد عبد الله قد أعد مادة إعلامية نشرها على اليوتيوب عن ولد اعبيدي، ولكن الأخير اعتبر أن هذه المادة « لم تكن مهنية »، واتهمه بالسعي إلى تشويهه بأوامر من المخابرات الموريتانية.
ولد عبد الله الذي سبق أن عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية الدولية في مناطق مختلفة من العالم، يدير حاليا مؤسسة “أراك” للإنتاج الإعلامي في موريتانيا، وينتج بين الفينة والأخرى بعض المواد وينشرها على اليوتيوب.
وتعرض ولد عبد الله قبل حوالي شهرين لحملة شرسة من طرف أنصار ولد اعبيدي، عبر موقع الفيس بوك، وهي الحملة التي يقول ولد عبد الله إنها دفعته إلى رفع شكوى ضد من يقف وراءه.
وفي أول تعليق على عملية اعتقال ولد اعبيدي اليوم، قال دداه عبد الله في مقطع فيديو نشره على صفحته الشخصية بالفيس بوك، إنه تأكد من أن عملية الاعتقال جرت وفق المسار الطبيعي وخالة من أي استغلال سياسي، وفق تعبيره.
وأوضح ولد عبد الله أنه تقدم بشكوى ضد ولد اعبيدي في الرابع من شهر يوليو الماضي، لدى وكيل الجمهورية في نواكشوط الغربية ولكن الأخير رفض الشكوى بسبب عدم الاختصاص، وفي العاشر من نفس الشهر تقدم بشكوى أخرى لدى وكيل الجمهورية في نواكشوط الجنوبية.
وأشار إلى أن آخر شكوى تقدم بها في الثلاثين من شهر يوليو لدى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف وهي التي أسفرت عن اعتقال ولد اعبيدي، بعد أن حول الأمر إلى مفوضية الشرطة بالرياض.
ولكن ولد عبد الله وإن كان قد رفض أي صبغة سياسية للشكوى أو المجرى الذي سلكته، إلا أنه أعلن ملفات داخلية وأخرى خارجية سيحرها ضد ولد اعبيدي.
في غضون ذلك تضاربت مواقف الصحفيين الموريتانيين حيال الموضوع، فنجد أن أغلبهم اعتبر أن اعتقال ولد اعبيدي خطوة في طريق منع السياسيين من التجاوز على الصحافة وإهانتها، ويتقدم هؤلاء الصحفي دداه عبد الله والصحفي أبي ولد زيدان.
إلا أن صحفيين آخرين رفضوا ذلك، وقالوا إن الأمر ليس انتصاراً للصحافة، وإنما هو مجرد استغلال سياسي واضح لشكوى تقدم بها صحفي.
وقال عبد الله ولد سيديا، الصحفي العامل في قناة العربي التي تبث من لندن، إنه « عندما قدم زميلنا المحترم دداه عبد الله شكواه إلى وكيل الجمهورية متهما بيرام ولد الداه ولد أعبيدي بالتهديد والقذف أجابه وكيل الجمهورية بأن (الظرف السياسي) لا يسمح بمساءلة بيرام، فرد الزميل دداه بأن العدالة لا يجب أن تسيس لكنه لم يجد لدى الوكيل الموقر آذانا صاغية ».
ويضيف ولد سيديا أنه « بعد شهر أو يزيد تعتقل الشرطة بيرام متعللة بشكوى داداه، التي تجاهلتها طيلة الفترة الماضية، ثم تجد من المطبلين من يحدثك بكل ثقة عن نزاهة القضاء، وأن الناس سواسية أمام القانون وباقي الفطانكيات ».
وخلص ولد سيديا إلى أن السلطات « تعتقل بيرام ولد الداه ولد أعبيدي اليوم لحاجة في نفسها وليس إنصافا للزميل دداه ».
تتضارب الآراء حول أسباب اعتقال ولد اعبيدي، ولكنه على الأقل سوف يتصدر واجهة الأخبار خلال الأيام المقبلة، فأنصاره يعقدون اعتصاماً أمام مبنى مفوضية الشرطة وسط إجراءات أمنية مشددة.