رحل محمد المصطفى بن سيد أحمد بن اياي عن الدنيا راضيا مرضيا، مطمئن النفس، مرتاح الضمير، ممدوح الذكر؛ كان محمد المصطفى من الذين يألفون ويؤلفون، يلقى الصديق والبعيد بوجه مشرق ويعامل عامة الناس بالرفق والمودة ولا يتأخر في أداء حق أو واجب من حقوق الله أو حقوق عباده، جعل من الالتزام والورع مسلك حياة وشعار سلوك.
عرفته في كل مراحل حياته، حدثا مقبلا على التعلم في كنف ورعاية أسرة جليلة تعهدته بالتربية على التعاليم الدينية الصافية والقيم الأصيلة، وشابا متقد الذهن حاد الفكر اجتاز مراحل الدراسة الثانوية والجامعية بتفوق وبراعة وأتقن الثقافتين العربية الإسلامية والأوروبية الغربية، واستوعب فكر العصر وعلومه دون أن يفقد صلابة الانتماء أو يُضيّع بوصلة الهوية.
عرفت محمد المصطفى موظفا في قطاع التعليم الذي كان من أساطينه وبُناته، حيث أدار العديد من القطاعات والمؤسسات التربوية بكفاءة وإخلاص ونزاهة، قبل أن يتولى الأمانة العامة لوزارة الصيد في مرحلة شهدت الإقبال على هذا القطاع الحيوي، فسلم من آفاته وطلب الانتقال منه تعففا وزهدًا وإحجاما عن متع الدنيا التي لم تجذبه يوما، بل ظلت الباقيات الصالحات مبتغاه ومقصده.
وبعد رجوع محمد المصطفى -رحمه الله- لقطاع التربية انتقل إلى التعليم العالي في المدرسة العليا للتعليم والمعهد العلمي العالي، قبل أن يعمل لسنوات عديدة مستشارا في رئاسة جامعة نواكشوط، فكان من قياداتها الفاعلة وكفاءاتها البارزة.
وعندما أنهيت النسخة الأولى من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية سلمتها له، فكان نعم العون في المساعدة في مراجعة الترجمة، بما منحه الله من فهم دقيق واستيعاب مكين لدلالات الآيات المجيدة، فضلا عن إتقانه الكامل للغتين، فكان لجهوده أبلغ الأثر في استكمال هذا المشروع الذي أقبل عليه بروح المؤمن الصادق المتشبث بكتاب الله والمعظم له.
خلال السنوات الأخيرة صحبني محمد المصطفى في تأسيس جامعة شنقيط العصرية التي كان أمينها العام، وقد منحها كل وقته وكامل جهده، ولولا خبرته الإدارية والتربوية الطويلة والعميقة لما قامت المؤسسة ونجحت التجربة.. كان أول قادم للجامعة وآخر من يغادرها بعد انتهاء العمل، لا يهمل أدق تفصيل، ولا يسكت عن أبسط تقصير أو خلل، يعامل الجميع من أساتذة وطلاب وأفراد إدارة بالمودة الصادقة والتواضع الجم والإخلاص التام، مستنكفا عن الأضواء والظهور.
وحتى عندما ظهرت عليه بوادر المرض حافظ ما وسعه الجهد على مسؤولياته اليومية، قبل أن يقعده الداء الذي تحمله بصبر المؤمن، دون امتعاض أو اعتراض أو تذمر، بل كان في أيامه الأخيرة مقبلا على الله راضيا بقضائه وقدره لطيفا بمن حوله.
إذا كانت موريتانيا فقدت أحد أبرز أطرها وكفاءاتها العلمية والإدارية، فإني فقدت أخا عزيزا وسندا مكينا ورفيقا كريما، كما فقدت جامعة شنقيط أحد أساطينها وأركانها..
بهذه المناسبة الأليمة أبدأ العزاء لنفسي والأخت فاطمة والأبناء البررة والإبنة الغالية ولأسرته ولأسرة جامعة شنقيط العصرية ولجميع من عرفوه وشاهدوا مافيه من خصال..
رحم الله الفقيد ورضي عنه وأرضاه وخلفه في أهله خيرا.
إنا لله وإنا إليه راجعون