يزداد الوضع تعقيداً في مالي، وتلوح في الأفق بوادر « أزمة سياسية » ستصب الزيت على نار الأوضاع الأمنية الصعبة، خاصة في ظل تأخر إعلان نتائج انتخابات رئاسية مرت عليها أربعة أيام من الترقب الحذر، وتشير التوقعات إلى « شوط ثان »، سيكون تنظيمه أكثر صعوبة من الشوط الأول، ويثير معه الكثير من المخاوف.
ستة عشر مرشحاً للانتخابات الرئاسية، يوصفون بأنهم من المعارضة، أعلنوا اليوم الأربعاء في مؤتمر صحفي، عن خروقات « خطيرة » شابت الشوط الأول من الانتخابات، من أبرزها « شراء الذمم » و « عدم حياد الدولة »، بالإضافة إلى « تهم فساد » تلاحق المحكمة الدستورية التي ستصدر حكماً نهائياً في نتائج الانتخابية.
وقال هؤلاء المرشحون في بيانهم الصحفي: « نذكر بالاتهامات الخطيرة بالفساد الموجهة إلى المحكمة الدستورية، والتي لم يتم تكذيبها »، ودعوا إلى « فتح تحقيق » في هذه التهم التي تقول إن الرئيس المنتهية ولايته إبراهيما ببكر كيتا « وزع رشوة بالملايين على أعضاء المحكمة ».
المرشحون الذين من ضمنهم زعيم المعارضة « سوميلا سيسي » وعالم الفيزياء الفلكية « الشيخ موديبو ديارا » ورجل الأعمال الثري « أليو ديارا »، قالوا إن المحكمة الدستورية سبق أن أصدرت بخصوص الانتخابات « استشارة تظهر بشكل واضح عدم الحرص على تطبيق القانون ».
وطالب المرشحون نشر جميع نتائج التصويت « مكتباً مكتباً »، و « نشر عدد التوكيلات التي تم استخدامها في كل مكتب تصويت »، و « نشر قائمة مفصلة بالقرى والمكاتب التي لم يجر فيها التصويت »، بالإضافة إلى صدور تكذيب رسمي من طرف المحكمة الدستورية للتهم الموجهة إليها و « فتح تحقيق قضائي » في القضية.
وختم المرشحون بيانهم بعبارة: « لم نقبل بأي نتائج شابتها خروقات ».
من جهة أخرى أدلى رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بتصريحات صحفية اليوم الأربعاء، هي الأولى منذ إجراء الاقتراع الرئاسي، قال فيها: « لسنا مرتاحين بشكل تام » للظروف التي جرت فيها الانتخابات، ولكنه برر ذلك بحجم التحديات التي كانت أمامهم كلجنة.
وأضاف رئيس اللجنة أنه « كانت لدى اللجنة بعض الخوف والقلق، وكانت هنالك بعض الصعوبات عند انطلاقة العملية الانتخابية »، مشيراً إلى أن الدولة « تأخرت بعض الشيء في التحضير للعملية الانتخابية، التي لم تبدأ إلا شهر يناير 2018، وهو تأخير يعود في الأساس إلى مشاكل لوجستية وفنية، وليس بنية سيئة »، وفق تعبيره.
وحول نتائج الانتخابات قال رئيس اللجنة إنه « حسب ما تم فرزه حتى الآن هنالك أربعة مرشحين يتصدرون النتائج في أغلب مكاتب التصويت، مما يعني أن الماليين صوتوا بحرية تامة للتعبير عن إرادتهم ».
أما بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي فقد أصدرت مساء الثلاثاء تقريراً أولياً مفصلاً حيال الظروف التي جرت فيها الانتخابات، وقالت إنها « جرت في ظروف مقبولة رغم بعض الخروقات »، مشيرة إلى أن من ضمن هذه الخروقات « أنشطة قامت بها الحكومة ترويجاً لحصيلة الرئيس المنتهية ولايته »، وهي أنشطة قالت البعثة الأوروبية إنها « ساهمت في تعزيز حالة عدم المساواة بين المرشحين ».
كما أضافت البعثة في تقريرها الذي جاء في عشر صفحات، أن « المحكمة الدستور، التي هي الحكم النهائي بخصوص النتائج، تجد صعوبة في بناء الثقة بكونها محايدة، وذلك لضمان مصداقية معالجتها للنتائج والطعون ».
كما أشارت البعثة إلى أن « المؤسسات الإعلامية العمومية لم تتح فرصاً متساوية أمام المترشحين في برامجها الاخبارية، وكانت منحازة لصالح إبراهيما ببكر كيتا، بصفته مرشحاً ورئيسا فعلياً للبلاد والحكومة ».
في غضون ذلك شهدت مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات الفورية بعض الاضطرابات خلال يوم الاقتراع وبعده، وهو ما قالت منظمات في مالي إن الدولة تقف وراءه وأنها تحجب هذه المواقع في « خرق للقانون واستهداف لحرية التعبير ».
وقالت « جمعية الانترنت المالية » في بيان صحفي: « لقد لاحظنا اضطرابات جدية في شبكة الانترنت، وبطء غير معتاد في فتح مواقع التواصل الاجتماعي على عموم التراب المالي »، وأضافت الجمعية: « نحن نندد بهذه الوضعية، وقلقون من إمكانية استمرارها حتى 12 أغسطس، وربما أبعد من ذلك ».
من جهتها قالت منظمة « انترنت بلا حدود » إنها تندد بحجب كل من « تويتر » و« واتساب » في دولة مالي خلال الانتخابات الرئاسية، وقالت المنظمة إن لديها أدلة تؤكد عملية « الحجب » التي طالت مواقع تعطي خدمات تخطي الحجب.
الحكومة لم تعلق على هذه التهامات، فيما تشير مصادر تحدثت لموفد « صحراء ميديا » إلى باماكو ربطت الموضوع بالإجراءات المتخذة لتأمين الانتخابات، فيما يرى آخرون أنها عملية ستحد من عملية التواصل ما بين الناشطين السياسيين، وبالتالي ستؤثر على قدرة الأحزاب على تعبئة أي مظاهرات محتملة.