فوجئت اليوم (السبت 7 يوليو 2018) بما قرأت من أن قرارا حكوميا قد صدر بتوقيف جريدة “الشعب” بنسختيها العربية والفرنسية، وذلك بعد (43) سنة من الصدور اليومي وبعد (52) سنة من قرار إنشائها في نوفمبر 1964.
المفاجئ في القرار -حسب ما قيل لي- أنه لم يأت على إثر دراسة من الأخصائيين ولم يستشر فيه الطاقم الحالي لجريدة “الشعب”، وأن القطاع الوصي لم يكن على علم به على ما يبدو.
والأكثر غرابة عندي من كل ذلك أن يكون المبرر هو أن الصحف الورقية قد اختفت في العالم وأنه لا مبرر لوجودها؟!
هل توقفت “الأهرام” القاهرية عن الصدور في الورق؟
هل توقفت “لموند” الفرنسية، وحتى “لسولي” السنغالية الأكثر انتشارا في المنطقة، هل توقفت عن الصدور.. بل أن الدول الأقل منا إمكانيات كمالي وبوركينا فاسو لم تتوقف صحفها الوطنية عن الصدور.
فكيف نتخذ نحن هذا القرار أمام مصاعب ظرفية تمر بها المطبعة الوطنية؟!.
المهم أنني بهذه المناسبة أود أن أقدم عرضا موجزا عن جريدة “الشعب” يتضمن معلومات عنها وأستهله بما كنا كطاقم مؤسس نتمنى أن تكون عليه جريدة “الشعب” من النجاح والتطور.. وكنت قد نشرت بعض هذه المعلومات في مدونتي “قبس” منذ فترة..
*مشروع صحفي صامد*
فى يوليو الحالي ( 2018 ) تكمل جريدة “الشعب” العام الـ 43 من عمرها ، كصحيفة يومية إخبارية جامعة ، احتضنت عبر تاريخها العشرات من الكتاب والمبدعين الموريتانيين الذين نشروا فيها من درر أفكارهم ما هو ذخر لهذا الوطن العزيز. واختصت”الشعب ” بكونها السجل المكتوب للأحداث الوطنية في عقدين من الزمن كانت فيهما اليومية الوطنية الوحيدة. وهي بذلك تشكل جزءا أساسيا من مكونات ” الذاكرة الوطنية” للدولة الموريتانية.
وجريدة “الشعب ” من المنظور المهني، مشروع صحفي صامد على الرغم من كل الاضطرابات والمصاعب التي هددت وجوده أكثر من مرة .
واستمرت “الشعب” حتى يوم الجمعة الماضي بفضل جهود كتاب وصحفيين وفنيين وإداريين مروا بها ، ولو ليوم واحد، حتى ولو بمقال واحد؛ فكل هؤلاء أسهموا في هذه المسيرة.
*”الشعب” كما كنا نتمنى*
هذه الجريدة التي كنا نتمنى –عند انطلاقتها- أن تكون بالعربية مثل جريدة “الأهرام” القاهرية وبالفرنسية مثل “لموند” الفرنسية وكنا نتمنى أن تحدث ثورة ثقافية واجتماعية في أريافنا، وكنا نأمل كذلك أن تقوم بالدور الذي كان يلعبه أجدادنا في نشر الثقافة العربية والإسلامية بإفريقيا، وكنا نتمنى أن تسهم “منشورات الشعب” – بمعدل كتاب كل شهر- في انقاذ مخطوطاتنا وتشجيع كتابنا على الإبداع والنشر..
تلك أمنياتنا ولكن الواقع فرض علينا عدم الإفراط في التفاؤل؛ وعلى الرغم من الصعوبات التي ظهرت منذ البداية وواكبت مسيرة “الشعب” فإن طاقمها، وعبر تاريخها، تميز بتصميمه القوي على أن يطورها باستمرار.
ولا شك أن “الشعب” لعبت دورها كجريدة حكومية تعكس وجهة النظر الرسمية باستخدام مختلف أنماط التحرير، وساهمت في سد الفراغ الإعلامي والثقافي خاصة في سنوات ما قبل التسعينات من القرن الماضي، حيث كانت المتنفس الوحيد لكتاب تلك الفترة.
وإن “الشعب” تميزت طيلة تاريخها برصانتها واعتدالها وكانت بالفعل مدرسة مهنية لأجيال من الإعلاميين في البلد.
*الحل والترحال أربكا مسيرة “الشعب”*
لم تحقق هذه الجريدة كل ما كنا نطمح إليه بشأنها لكنها حققت الكثير، على الرغم من انها عرفت حلا وترحالا أربكا مسيرتها؛ بدأت مستقلة كمؤسسة تسمى (الشركة الوطنية للصحافة، وما لبثت أن انضمت إليها المطبعة الوطنية تحت اسم الشركة الوطنية للصحافة والطباعة).. وفي سنة 1990 انفصلت “الشعب” عن المطبعة الوطنية واندمجت في الوكالة الموريتانية للانباء لمبررات غير مهنية بكل تأكيد، حيث غلبت الاعتبارات المالية والسياسية على الاعتبارات المهنية..
وعانت “الشعب” من معوقات في مسيرتها بسبب هذا الدمج وهو ما نبه إليه مهنيون في وقته وحاول بعض المديرين العامين تصحيح المسار، لكنهم ليسوا أصحاب القرار بهذا الشأن
وعلى الرغم من المعوقات التي عرفتها “الشعب” فإنها ظلت تقوم بدور مهم كيومية وطنية صادرة باللغتين ومنتظمة الصدور تؤدي رسالتها الإعلامية بحسب الإمكانيات المتاحة لها.
وأعتقد أن إنشاء جريدة “الشعب” وانتظامها في الصدور كيومية على مدى (43) سنة هو مكسب مهم تجب صيانته.. وإنها تحمل اليوم جزءا مهما من الذاكرة الوطنية وتحتضن في طياتها رصيدا من إبداع أبناء هذا الوطن.
ومن حقها علينا أن نطورها كجريدة مهنية تؤدي خدمية عمومية وأن لا نوقف مسيرتها..
معلومات مختصرة عن جريدة “الشعب”
* تأسست جريدة “الشعب” كيومية وطنية إخبارية جامعة في فاتح يوليو 1975 .
وكانت “الشعب” النصف شهرية ثم الأسبوعية قد صدرت في ال 28 نوفمبر 1964 وتوقفت في أواخر 1972 .
* “الشعب اليومية احتضنتها (5) مؤسسات منذ انطلاقتها في سنة 1975 وحتى 2011 :
– الشركة الوطنية للصحافة
– الشركة الوطنية للصحافة والنشر
– الوكالة الموريتانية للصحافة والنشر
– الشركة الموريتانية للصحافة والطباعة
– الوكالة الموريتانية للأنباء
* تعاقب على “الشعب” حتى يوليو 2018: ( 18 ) مديرا للنشر و (12) رئيسا للتحرير
* وتعاقب على وزارة الإعلام في هذه الفترة (42) وزيرا
* بدأت “الشعب” (6) صفحات من حجم “تابلويد”، ثم زيد في حجمها طولا وعرضا وأصبحت (8) صفحات ، واستقر بها الحال (12) صفحة.. كان سعرها عند الانطلاقة ( 5 ) أواق وهي اليوم تباع ب (100) أوقية قديمة.
* اتخذت عند انطلاقتها اللون الأخضر لتروستها وابدلته منذ سنة 1990 باللون الأزرق؛ ولأن اللون الواحد تندمج فيه عدة انواع (الفاتح، الغامق…..الخ) فإن تحديد النوع ترك على مر تاريخ الصحيفة للمطبعة بحسب المتوفر عندها.
* الثابت في تبويب “الشعب” منذ انطلاقتها وحتى اليوم هو الصفحات الإخبارية وصفحة “خدمات”، أما الصفحات الأخرى فهي متغيرة بحسب خطط وبرامج المشرفين على التحرير .
لقد كنت من الطاقم الذي أسس جريدة “الشعب” في سنة 1975، وقد أعطيتها زهرة شبابي، وواصلت العمل فيها وفي المؤسسة التي ترعاها إلى أن غادرتها في نهاية 2015 استفادة من حقي في التقاعد، وإنني أتمنى أن تواصل هذه الجريدة مسيرتها، وقد منحها الله شبابا أكفاء من المهنيين المتميزين.
والله الموفق
محمد الحافظ بن محم