كشفت مصادر خاصة لـ « صحراء ميديا » عن اتفاق بين الحكومة الموريتانية وشركة مملوكة لـ « طيران الإمارات »، ستتولى بموجبه شركة تابعة للإماراتيين تسيير مطار نواكشوط الدولي (أم التونسي).
وأضافت المصادر أن الموريتانيين والإماراتيين قطعوا خطوات متقدمة نحو الاتفاق، ورجحت هذه المصادر أن تتولى الشركة المذكورة تسيير المطار بعد احتضان نواكشوط للقمة الأفريقية شهر يوليو المقبل.
وكانت وفود من الشركة الإماراتية، ومكتب دراسات بريطاني متعاقدة معه، قد ترددت على نواكشوط خلال الأشهر الماضية في إطار التحضير للعملية، وحظيت باحتفاء خاص ومباشر من طرف « رئاسة الجمهورية »، وفق تعبير مصدر خاص فضل حجب هويته.
موطئ قدم
تعد شركة « طيران الإمارات » واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم وأكثرها نمواً، وبدأت منذ سنوات تتجه نحو القارة الأفريقية، بصفتها المنطقة الأكثر نمواً في العالم، وذلك ما أكده مسؤول رفيع في الشركة خلال لقاء مع صحفيين أفارقة قبل ثلاث سنوات.
قال هذا المسؤول: « أفريقيا محور رئيسي لطريق الحرير الجديد الذي يربط أفريقيا بآسيا، وستكون دبي مركزا يربط هاتين القارتين »، ومن هذا المنطلق قال المسؤول إن « 10 في المائة من إجمالي عائدات طيران الإمارات مصدرها السوق الأفريقية ».
ولكن لدخول السوق الأفريقية كانت الشركة الإماراتية تحتاج إلى « موطئ قدم »، خاصة في ظل المنافسة القوية على المطارات الحيوية في القارة، من طرف شركات أخرى قوية من أبرزها الخطوط الجوية الجنوب أفريقية، والإثيوبية والملكية المغربية، مع حضور قوي للقطريين والأتراك على مستوى القارة السمراء.
الإماراتيون تعاقدوا مع مكتب دراسات دولي، أوفد خبراء إلى نواكشوط قبل عدة أشهر، من أجل دراسة جدوائية مطار نواكشوط الدولي (أم التونسي)، والمميزات التي يتمتع بها، وما يمكن أن يستفيد الإماراتيون من تسييره.
المصادر تقول إن المدير العام السابق لشركة مطارات موريتانيا « سام »، دفع منصبه ثمناً لعدم تعاطيه الإيجابي مع مكتب الدراسات، لأنه كان مشغولاً في حملة انتساب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
تمت إقالته بسرعة وعين مدير جديد كانت لديه تعليمات واضحة وصارمة، أن يفتح أبوب الشركة أمام الخبراء البريطانيين.
خرج الخبراء بتقرير يقول في خلاصته إن مطار نواكشوط الدولي (أم التونسي) يتمتع بمواصفات تمكنه من أن يشكل « موطئ قدم » حقيقي للشركة الإماراتية في غرب القارة الأفريقية، من أبرزها مواصفاته الفنية التي تمكنه من استقبال الطائرات الكبيرة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا والأمريكيتين.
كما أشار التقرير إلى أن مطار نواكشوط يقع بالقرب من اثنين من أهم المطارات التي تستحوذ عليها شركات منافسة: مطار محمد الخامس الدولي، ومطار بليز داين السنغالي، وبالتالي سيرفع من مستوى التنافسية لدى الإماراتيين في السوق الأفريقية.
وصول الإماراتيين
قبل أسابيع حطت طائرة خاصة على مدرج مطار نواكشوط الدولي، كان على متنها إماراتيون، فتحت لهم قاعة الشرف واستقبلتهم سيارات تابعة لرئاسة الجمهورية، نقلتهم مباشرة إلى القصر الرئاسي في قلب نواكشوط، فيما بقيت طائرتهم الخاصة متوقفة، لا أحد من موظفي المطار يعلم عنها، ولا عن ركابها، أي شيء.
على مدى أيام كان الإماراتيون يتجولون في أروقة المطار، أجروا مقابلات مع بعض الموظفين، بل إنهم حصلوا على جميع الوثائق التي يطلبون، وكانت من ضمنها قائمة بأسماء العاملين في المطار، التابعين لـ « شركة مطارات موريتانيا ».
كان واضحاً أن الإماراتيين قد حسموا قرارهم بتولي المهمة، ووضع اليد على مطار نواكشوط الدولي، وقد وصل الاتفاق إلى مراحل متقدمة جداً، وهو اتفاق يبدو أنه سيوقع مع وزارة التجهيز والنقل، ولكن تحت إشراف مباشر من رئاسة الجمهورية.
حتى الآن ما يزال الاتفاق محاطاً بقدر كبير من السرية، وقليل من المسؤولين الموريتانيين مطلع على تفاصيله، إذ يبدو واضحاً أن جهات عليا هي وحدها الممسكة بالملف.
انتشال المطار !
يرى الموريتانيون أن دخول الإماراتيين على الخط لتسيير مطار نواكشوط الدولي، يمثل بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم الذي دخل فيه المطار منذ تدشينه.
على الرغم من الحملة الدعائية والترويجية الضخمة التي قامت بها موريتانيا لمطارها الجديد إلا أنه ظل يراوح مكانه، فلم تتحسن حركة الطيران فيه، كما لم يستطع أن يستقطب أي مهتمين بعد أكثر من عامين على تدشينه.
وفيما كان مطار نواكشوط الجديد يعاني من العزلة، كان السنغاليون يفتتحون مطارهم الجديد بمواصفات أكثر حداثة وتنافسية، ما يزيد من معاناة المطار الموريتاني الذي أثار الجدل أكثر مما أنعش الاقتصاد.
ومع وصول الإماراتيين يلوح الضوء في نهاية النفق، وبدأ الأمل يراود المسؤولين الموريتانيين لإنعاش مطارهم المحتضر، وتحويله إلى إحدى نقاط الربط الجوي عبر العالم.
المتضرر الأكبر!
لقد حسم الإماراتيون قرارهم بخصوص تسيير مطار نواكشوط الدولي، في قرار بدا واضحاً للموريتانيين أن المطار سيكون المستفيد الأكبر منه، ولكن هنالك متضررون عدة من هذه العملية: « شركة مطارات موريتانيا »، و « شركة الموريتانية للطيران ».
لقد كان الموريتانيون يودون من الإماراتيين الاستحواذ على شركة مطارات موريتانيا، ولكن الإماراتيين رفضوا ذلك بشكل قاطع، وأكدوا أن شركتهم ستتولى تسيير مطار نواكشوط الدولي وحده، وغير معنية ببقية مطارات البلاد.
لذا قرر الموريتانيون أن تتحول شركة مطار موريتانيا إلى شركة جديدة تحمل اسم: « شركة مطار موريتانيا الداخلية »، ويتم سحب مطار نواكشوط الدولي من صلاحياتها.
وبخصوص العمال فقد أكد الإماراتيون أنهم غير ملزمين باكتتاب جميع عمال الشركة الموريتانية في مطار نواكشوط الدولي، بل إنها ستقيم إمكانياتهم وتكتتب من تحتاجه منهم وتعيد البقية للشركة الموريتانية.
من جهة أخرى تباينت وجهات النظر بين الموريتانيين والإماراتيين بخصوص « شركة الموريتانية للطيران »، فقد أكد الإماراتيون أنهم عندما يتولون تسيير المطار فسيتوجب على « الموريتانية » نقل طائراتها ومعداتها من هناك.
واقترح الإماراتيون على المسؤولين الموريتانيين أن تتحول « الموريتانية » إلى مطار نواذيبو الدولي، واتخاذه قاعدة لطائراتها ومعداتها الثقيلة، ومركزاً لصيانة تجهيزاتها ومحركاتها.
ولكن الموريتانيين طلبوا من الإماراتيين مهلة بخصوص « الموريتانية »، على أن يتم الانتقال نحو مطار نواذيبو الدولي بشكل تدريجي، وهو ما يبدو أن الإماراتيين قبلوه.
صمت رسمي
على الرغم من تأكيد المصادر على أن الاتفاق بين موريتانيا والإماراتيين وصل إلى مراحل متقدمة، إلا ان الملف ما يزال طي الكتمان، ولم تصدر أي تصريحات رسمية بخصوصه.
ولكن المؤكد هو أن العلاقات بين موريتانيا ودولة الإمارات وصلت إلى أوجها خلال السنوات، وارتفع مستوى التعاون بين البلدين، سواء كانت طبيعة ذلك التعاون عسكرياً أو أمنياً أو اقتصادياً أو سياسياً.
وزاد في الوقت ذاته عدد تبادل الزيارات بين المسؤولين والوفود من البلدين، فيما تعد الإمارات أحد أبرز الداعمين للاقتصاد والجيش الموريتانيين.
ويتعزز هذا التعاون في وقت كانت موريتانيا حاسمة في موقفها في اثنين من أهم الملفات المطروحة على طاولة أصحاب القرار في أبوظبي، وهما الملف الإيراني والقطري، فقد قلصت موريتانيا تمثيلها الدبلوماسي في طهران وشجبت في العديد من المناسبات التدخل الإيراني في الشؤون العربية، كما أنها لم تتردد وهي تتخذ القرار بقطع العلاقات مع دولة قطر واتهامها بالتورط في دعم الإرهاب.
ولا شك أن مستوى التفاهم في ملفات على هذا المستوى من الأهمية، سيفتح الكثير من الأبواب أمام الاستثمارات الإماراتية في موريتانيا، وهي استثمارات تحتاجها موريتانيا لإنعاش اقتصادها الذي تضرر كثيراً من هبوط أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، في أزمة اقتصادية لم تسلم منها دول الخليج.