الكاتب/ عادل الطريفي
وزير الثقافة والإعلام السعودي السابق
كان عام 1979 نقطة تحول بالنسبة للشرق الأوسط. أطاح الثوريون الإيرانيون بالشاه، وغزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، وحاول المتطرفون الإسلاميون السنة الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة بالمملكة العربية السعودية أقدس مقدسات الإسلام. لم يكن ولي العهد محمد بن سلمان قد ولد بعد، لكنه يحارب “أشباح عام 1979” حيث يقوم بإصلاحات جذرية للمملكة.
كانت محاولة الاستيلاء على مكة المكرمة حدثًا مميزًا في بلدي، ويرجع ذلك أساسًا للأحداث بعد ذلك، قرر حكام السعودية، توجّسا من مثال الثورة الإيرانية، إعطاء مساحة أكبر للمؤسسة الدينية السلفية على أمل مواجهة المتطرفين، فالدعاة السلفيون التقليديون ليسوا عنيفين ولا سياسيين لكنهم يتبعون وجهة نظر جامدة للإسلام، وساهموا بأحكامهم القانوينة وفرض “رقابة على الأخلاق” في نشر الفكر غير المتسامح داخل المجتمع مما أدى إلى تراجع الانفتاح التدريجي الذي حدث في الستينات والسبعينات
في المدارس السعودية كان التعليم إلى حد كبير في أيدي الرعايا الأجانب، والعديد منهم لديهم خلفيات وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين. في الستينات والسبعينات كانت السعودية أكثر اهتماماً بالقومية العربية وجمال عبد الناصر من اهتمامها بالتطرف الإسلامي، بالتالي لم يكن الإخوان المسلمون مصدر قلق كبير، لكن الجمع بين النظرة السياسية الإخوانية والعقيدة السلفية الجامدة حقنت “فيروسا” في النظام التعليمي السعودي، وقد سمح هذا الفيروس لأسامة بن لادن بتجنيد 15 سعوديًا للمشاركة في “العمل الفظيع” في 11 سبتمبر 2001، ونحن السعوديون أخفقنا مع هؤلاء الشباب وكان لهذا الإخفاق آثار عالمية.
عمل علماء الدين السلفيون والإخوان المسلمون معًا وحصلوا على تمويلات مباشرة لعدم وجود رقابة خاصة في تمويل المساجد والمدارس الدينية من كراتشي إلى القاهرة، الأماكن التي يفضلها الدعاة المتشددون.
كانت فكرة صانعي السياسة بسيطة: أعطوا الإسلاميين السياسيين وفروعهم السلفية المجال للتأثير في الشؤون التربوية والقضائية والدينية وسنستمر في السيطرة على السياسة الخارجية والاقتصاد والدفاع، كان حكام السعودية يتعاملون مع الأجهزة “الهاردوير” في حين أعاد الراديكاليون كتابة “برمجيات” البلاد، ولايزال المجتمع السعودي والعالم الإسلامي يعانيان من الآثار.
يصف منتقدو ولي العهد الأمير محمد بأنه شاب في عجلة من أمره، إنهم على حق لكن هذا بالضبط ما يجب أن يكون- كما قال لنا جميعاً في اجتماعاته بنا وباستمرار: “الوقت عدونا، لا يمكننا الانتظار أكثر من ذلك لإصلاح بلدنا، لقد حان الوقت”.
الأمير محمد واضح في الحديث عن المشكلة، قال لي ذات مرة: “الإسلام السياسي سواء كان سنيًا أو شيعيًا أو إخوان مسلمين أو سلفية جهادية قد أضر بالدول الإسلامية”، كما أنه يعطي الإسلام “سمعة سيئة”، ولذلك فإن دور الدول الإسلامية هو مواجهة هذه الأيديولوجيات والمجموعات الشريرة والوقوف مع حلفائنا العالميين في الغرب والشرق لمواجهتهم مرة واحدة وإلى الأبد.
لقد بشر الملك سلمان وولي عهده بالفعل ببعض التغييرات الجريئة، وقد قاد ولي العهد هذا الجهد لدحر “الشرطة الدينية” القوية، ولم يعد من حق هؤلاء أن يوقفوا أي شخص في الشارع، لقد تم تهميشهم بفعالية.
منح الملك وولي العهد للمرأة حقوقهما التي طال انتظارها، في قيادة السيارة والرياضة وفي حضورها المجتمعي بشكل عام، لم تعد المرأة ملزمة بارتداء نوع معيّن من الحجاب، وأتوقع رؤية المزيد من النساء المعينات في المناصب العليا في الحكومة حتى على المستوى الوزاري، وبمجرد أن تطلق المملكة العربية السعودية إمكانات المرأة فلا يوجد أي مؤشر على المدى الذي يمكن أن نذهب إليه.
استناداً إلى الإصلاحات التعليمية التي جرت في العقد الماضي، أطلق ولي العهد مؤسسة مسك MiSK لتزويد الشباب السعودي بتدريب على مستوى عالمي من المهارات، كما قاد الطريق في تطويع الحياة في المملكة العربية السعودية لأجل الشباب، الذين يتذمرون من القيود الاجتماعية، وتقوم “هيئة الترفيه” الجديدة بتقديم حفلات لسعوديين وأجانب، وسوف نرى مسرحا وسينما وقريباً دار أوبرا ملكية.
لقد فعل شيئًا غير ملموس أكثر من غيره وحيويا أيضًا: سد الفجوة العميقة بين الحاكم والمحكوم، فمثل ثلاثة أرباع السعوديين، هو تحت سن الخامسة والثلاثين، وهو يتحدث لغتهم، ويستخدم تطبيقاتهم، إنه يعرف إحباطاتهم بما في ذلك الفساد، لذلك ينبغي النظر إلى الحملة الأخيرة على الفساد في هذا الضوء. كان ولي العهد على استعداد لسحب السجاد لتنظيف التعفن الموجود تحته.
في مؤتمر أكتوبر 2017 للمستثمرين الدوليين، وضع ولي العهد محمد بن سلمان أفكاره للإسلام المعتدل، وقال: “لم تكن المملكة العربية السعودية على هذا النحو قبل عام 1979، نريد العودة إلى ما كنا عليه، الإسلام المعتدل المنفتح على جميع الأديان، نريد أن نعيش حياة طبيعية وتتعايش مع العالم ونساهم فيه، ولن نقضي السنوات الثلاثين المقبلة من حياتنا في التعامل مع هذه الأفكار المدمرة”
خلال فترة وجودي في المنصب أدركت أن المملكة العربية السعودية ستستمر في مواجهة التحديات، ولأول مرة منذ أربعة عقود، تتراجع تلك الأشباح التي تطارد السعودية، الأخطاء لا مفر منها، وليس هناك دليل إرشادي عن كيفية إصلاح بلد ما، لكن قادة مثل الراحل “لي كوان يو” من سنغافورة يظهرون مدى قدرة الدولة على اتباع السياسات الصحيحة.
المملكة العربية السعودية لديها رحلة طويلة في المستقبل، لن يكون المشوار من دون صدمات وكدمات، التغيير لا يأتي بسهولة، لكن ولي العهد رفع التوقعات بشكل كبير.
لقد خرج الجنيّ من الزجاجة ولن يمكنه الرجوع إليها.