في خطوة كانت متوقعة، أعلنت مجموعة فاغنر الروسية إنهاء مهمتها في مالي، بعد ثلاث سنوات من العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة.
جاء إعلان فاغنر في بيان مصوَّر، أكدت فيه أن القرار جاء بعد استعادة جميع عواصم الأقاليم وإعادتها إلى سيطرة الحكومة المركزية في باماكو.
لكن توقيت الإعلان أثار الكثير من التساؤلات حول بقاء روسيا، لا سيما أنه جاء في وقت تشهد فيه المعارك بين الجيش المالي والمجموعات المسلحة تصعيدًا ملحوظًا، بلغت ذروته هذا الأسبوع الذي كان “صعبًا على الجيش”، بعد أن تكبد خسائر كبيرة في شمال البلاد ووسطها وغربها.
وذهب البعض إلى اعتبار انسحاب فاغنر نتيجةً للخسائر الكبيرة التي منيت بها المجموعة، معتبرين ذلك مؤشرًا على بدء “انهيار حكومة باماكو”. غير أن هذه تبقى مجرد شائعات؛ فخروج المجموعة لا يعني انسحاب روسيا من دولة تُعد حليفة لها.
إعادة الهيكلة
يأتي خروج فاغنر في إطار إعادة هيكلة شاملة أجرتها روسيا عقب وفاة مؤسس المجموعة، يفغيني بريغوجين، في حادث تحطم طائرته عام 2023، بعد تمرده على موسكو. وقد دفع ذلك صُنّاع القرار في الكرملين إلى مراجعة جميع عمليات المجموعة لضمان توافقها مع مصالح الدولة الروسية.
وعقب وفاة بريغوجين، أنشأت موسكو “فيلق أفريقيا”، وهو تشكيل عسكري يتبع وزارة الدفاع الروسية، ويمثل الواجهة الجديدة للوجود الروسي في المنطقة.
وبحسب محللين، تسعى روسيا من خلال هذا الفيلق إلى ترسيخ وجود أكثر مؤسساتية في أفريقيا، بعيدًا عن الصورة المثيرة للجدل التي ارتبطت بمجموعة فاغنر خلال السنوات الماضية.
وكانت فاغنر قد وُجهت إليها اتهامات من منظمات حقوقية بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية وجرائم عرقية” بحق بعض المكونات في مالي. ومن أبرز الحوادث المنسوبة إليها هجوم وقع في فبراير الماضي استهدف قافلة، وأسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصًا يُعتقد أنهم من الطوارق، بينهم أطفال ومسنّون.
وبُعيد إعلان فاغنر إنهاء مهمتها، أصدر “فيلق أفريقيا” بيانًا أكد فيه استمرار الوجود الروسي في مالي، وجاء فيه: “روسيا لا تفقد موطئ قدمها، بل تواصل دعم باماكو، والآن على مستوى أكثر عمقًا واستراتيجية”.
ووفقًا لمحادثات تداولها مستخدمون روس على تطبيق “تيلغرام” واطلعت عليها وكالة رويترز، فإن نحو 80% من مقاتلي “فيلق إفريقيا” هم من المقاتلين السابقين في مجموعة فاغنر.
وبحسب تقارير إعلامية، يبلغ عدد مقاتلي “فيلق إفريقيا” نحو 6 آلاف عنصر، موزعين على النحو التالي: حوالي 2000 في مالي، أكثر من 1600 في جمهورية إفريقيا الوسطى، بين 100 و300 في بوركينا فاسو، و100 إلى 200 في النيجر.
المهمة الجديدة
وسيرتكز عمل الفيلق الجديد على تقديم الدعم العسكري واللوجستي والتدريب للجيش المالي، خصوصًا في المناطق التي تشهد اضطرابات أمنية وتُعد معاقل للجماعات المسلحة.
وبحسب خبراء تحدّثوا إلى رويترز، فإن الاستراتيجية الروسية الجديدة في مالي ستتجه نحو تعزيز الدعم الاستخباراتي والتقني، بدلًا من الانخراط المباشر في العمليات القتالية واسعة النطاق.
ومن المنتظر أن يُركّز “فيلق إفريقيا” عملياته حول العاصمة باماكو، مع المشاركة في شنّ ضربات جوية ضد الجماعات المسلحة عند الحاجة.
غير أن تصاعد المعارك بين الجماعات المسلحة والجيش المالي سيضع “فيلق إفريقيا” أمام تحدٍّ كبير في مساعدة الحليف المالي على استعادة الأمن والاستقرار في مناطق شاسعة من البلاد.
فقد اتسعت رقعة الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة، خصوصًا “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، ولم تعد تقتصر على مناطق الوسط والشمال المعروفة بتوتراتها، بل امتدت إلى مناطق كانت تُعد مستقرة نسبيًّا حتى وقت قريب.
وتُعوّل باماكو على تحالفها مع موسكو لمواجهة المجموعات المسلحة وبسط سيطرة الدولة على كامل الأراضي المالية، وهو رهان يبدو “صعبًا” في ظل الزخم الذي اكتسبته هذه الجماعات في الأسابيع الأخيرة، مع تصاعد الهجمات على الثكنات العسكرية ونقاط التفتيش، والتي كبّدت الجيش المالي وحليفه السابق، مجموعة فاغنر، خسائر فادحة.