كان واثقًا من أن مهرجان “ليالي المدح” سيحقق النجاح بفضل الأهداف التي رسمها له مع فريقه، ما جعل لياليه الرمضانية موعدًا ينتظره جمهوره بشغف.
ما كان يراه البعض مستحيلًا أصبح واقعًا، هذا ما يؤكده مدير المهرجان، محمد عالي ولد بلال، الذي يقول إنه لا يزال يمتلك الحماس والطاقة نفسيهما منذ تنظيم النسخة الأولى، وها هو المهرجان اليوم يصل إلى نسخته الثانية عشرة، حيث يزداد جمهوره كما يزداد عدد رعاته.
بجهود ذاتية وبفريق آمن بالفكرة، ولد المهرجان دون دعم من رعاة، إذ كانت موارده شبه معدومة، لكن بفضل فريق مفعم بالحيوية والطاقة، استطاع أن يصبح “ليالي المدح” واحدًا من أكبر المهرجانات في موريتانيا.
وجاء الاعتراف الرسمي بما حققه المهرجان هذه المرة على لسان وزير الثقافة، الحسين مدو، الذي قال: “استمرار مهرجان ليالي المدح لأكثر من عقد من الزمن يؤكد مكانة المديح النبوي في الثقافة الموريتانية، تمامًا كما يعكس تميز المهرجان ونجاحه، وتوق الجميع الدائم إليه وإلى لياليه، وهي سمات تضاعفت في هذه النسخة”.
ويرى رئيس مركز ترانيم (الجهة المنظمة للمهرجان)، محمد عالي ولد بلال، أن هذه النسخة تختلف عن سابقاتها، بفضل مستوى الدعم الذي حصل عليه المهرجان من وزارة الثقافة، والوزارة الأولى، ورعاية السيدة الأولى، مريم الداه.
ظل مطلب الدعم الحكومي ثابتًا في البيانات والرسائل التي أصدرها المركز قبل كل نسخة من النسخ الماضية، من بينها رسائل وجهها إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
“ليالي المدح” ليس مجرد مهرجان، بل هو مشروع مجتمعي ضمن مشاريع كبرى يعمل عليها مركز ترانيم، الذي حدد أهدافه منذ تأسيسه، والتي تشمل “استدامة وحفظ الفنون الشعبية، المساهمة في تمكين ممارسي هذه الفنون من حقوقهم، وتحفيز الشباب على تعلمها والتدرب عليها”.
ورغم مستوى الاهتمام الرسمي بهذه النسخة، فإن محمد عالي يرى أن هناك تحديات لا تزال قائمة، على رأسها الحاجة إلى مكان مستدام لتنظيم المهرجان، وهو تحدٍّ مستمر منذ النسخة الأولى، وفق قوله.
التمويل أيضًا من بين التحديات التي لا تزال قائمة، إذ يتطلب تنظيم أنشطة المهرجان موارد مالية ولوجستية كبيرة، “وهذا ما دفعنا إلى تقليص ليالي المهرجان من خمسة إلى ثلاثة”، كما قال في تصريح لـ”صحراء 24”.
في السنوات الماضية، نظم المركز عشرات الأنشطة، من بينها مهرجان “ليالي المدح”، و”المبارزة بالعصي”، و”النيفارة”، إلى جانب تدريب الشباب على هذه الفنون الشعبية للحفاظ عليها وصونها.
ويؤكد مركز ترانيم أن هذه الأنشطة تعد جزءًا أصيلًا من الفنون الشعبية الموريتانية، التي تحتاج إلى دعم حكومي لضمان استمرارها وحمايتها كموروث ثقافي.
وفي عام 2023، فاز المركز بـجائزة الشارقة الدولية للتراث الثقافي في دورتها الرابعة، ضمن فئة أفضل الممارسات في صون التراث الثقافي. ويقول رئيس المركز إن الفوز بهذه الجائزة هو ثمرة العمل الدؤوب للمركز خلال السنوات الماضية، حيث نجح في إعادة إحياء جزء كبير من الموروث الثقافي اللامادي في موريتانيا، وتثمينه وضمان استمراريته.
ويمنح معهد الشارقة للتراث جائزته سنويًا للأفراد أو المجموعات أو المشروعات، تقديرًا لجهودهم في صون التراث الثقافي، وحمايته، ودراسته، وضمان استمراره. وتتوزع الجائزة على ثلاثة مجالات: “أفضل ممارسات صون عناصر التراث الثقافي، أفضل الرواة (الكنوز البشرية الحيّة)، أفضل البحوث والدراسات في التراث الثقافي”.