نظمت المملكة العربية السعودية أول قمة تجمعها بالدول الأفريقية، أعلن فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن بلاده ستضخ في أفريقيا استثمارات بحجم 25 مليار دولار، مع صادرات بقيمة 10 مليارات دولار، وضخ خمس مليارات أخرى لصالح التنمية، أي أن السعودية ستضخ في أفق 2030 أكثر من 40 مليار دولار في أفريقيا.
في غضون ذلك، تتسابق الدول الأفريقية لأن تكون في محور الاهتمام السعودي، واستقطاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات التي أعلن عنها محمد بن سلمان، وموريتانيا واحدة من هذه الدول، فما هي الفرص المتاحة لذلك؟
جلسة عمل
بعد اختتام القمة السعودية – الأفريقية، عقد وزير المالية الموريتاني إسلمو ولد محمد امبادي، جلسة عمل مع وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، حضرها عدد من الرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات السعودية.
الوزير الموريتاني قدم عرضا حول فرص الاستثمار في موريتانيا، وهي فرص تركزت بشكل أساسي في قطاعات الزراعة والمعادن والطاقة والثروة السمكية والحيوانية والسياحة.
وأكد الوزير الموريتاني أن هذه الفرص “مدعومة بمناخ استثماري ملائم بدءا باعتماد مدونة خاصة بالاستثمار، وخلق تحفيزات مشجعة للمستثمرين”.
جلسة العمل التي احتضنتها مدينة الرياض، أسفرت عن قرار بأن وفدا سعوديا برئاسة وزير الاستثمار خالد بن عبد العزيز الفالح، سيزور موريتانيا قبل نهاية العام الحالي.
الهدف من الزيارة هو الاطلاع على “فرص الاستثمار ومقدرات البلد، بالإضافة إلى البحث عن أنجع السبل للاستفادة منها”، حسب ما أوردت الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية).
فرص مغرية
الباحث الاقتصادي الموريتاني الحسين ولد محمد عمر، يعتقد أن الفرص المتاحة في موريتانيا أمام المستثمر السعودي “متعددة ومغرية، خاصة مع الحوافز التي توفرها موريتانيا للمستثمرين بشكل عام والسعوديين بشكل خاص”.
وتوقع ولد محمد عمر في تصريح لـ “صحراء ميديا” أن يتضاعف حجم الاستثمارات السعودية في موريتانيا، مشيرًا إلى أن “المملكة تركز في خططها على الابتعاد عن الاعتماد على موارد الطاقة غير المتجددة، وتتجه نحو القطاعات الخدمية التي تمتلك موريتانيا فيها ميزة نسبية بالنظر إلى السوق غير المستغلة في هذا الجانب”.
وأضاف الباحث الاقتصادي أنه بناء على التقاء تطلع الحكومة الموريتانية نحو جلب المستثمرين مع رغبة المملكة في الرفع من مستوى استثماراتها في موريتانيا، فإنه يتوقع أن “تستهدف السعودية المجالات الخدمية والزراعية”.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي محمد يسلم الفيلالي، إنه يتوجب على موريتانيا أن تسعى لاستقطاب جزء من الاستثماراتالمعلنة من طرف المملكة، والمشاركة الفعّالة في المشاريع التي ستجذبها دول أفريقية أخرى.
يسلم الفيلالي في تصريح لـ “صحراء ميديا” قال: “يجب على موريتانيا أن تعمل بجهد إضافي استنادا إلى العلاقة التاريخية بين البلدين؛ لتأهيل القوة العاملة الوطنية والشركات المحلية، لجلب الاستثمارات السعودية”.
أرضية صلبة
تستند العلاقات الاقتصادية بين السعودية وموريتانيا إلى أرضية صلبة قائمة على علاقات تاريخية وثقافية ودينية وسياسية متينة، إلا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يزال دون المستوى، حيث وصل عام 2020 إلى ما يناهز 27 مليون دولار، وهو ما يصفه ولد محمد عمر بـ “المستوى الضعيف بالمقارنة مع الاقتصادي السعودي الكبير جدا”.
ويؤكد ولد محمد عمر أن علاقات البلدين الاقتصادية ما تزال “ضعيفة جدا، إذ بلغت صادرات المملكة إلى موريتانيا سنة 2021 ما يناهز 37 مليون دولار، تسيطر عليها المواد الغذائية مثل منتجات الألبان والبيض بقيمة 15.85 مليون دولار من أصل 37 مليون دولار”.
ويضيف أن “الصادرات الموريتانية إلى السعودية بلغت 194 ألف دولار فقط في نفس السنة، ويغلب عليها الأسماك والقشريات والرخويات بما يناهز 97.48 ألف دولار 2021 من مجمل مبلغ الصادرات”.
وقال ولد محمد عمر إن ضعف هذه العلاقات “شيء متفهم نظرا لضعف الاقتصاد الموريتاني وضعف قوته الاستيعابية”، مشيرا إلى أن “السعي الموريتاني لجلب المستثمر السعودي منذ 2022 وحتى القمة الأخيرة ينم عن جهد حثيث لجلب رؤوس أموال كبيرة للسوق الوطني”، وفق تعبيره.
وتوقع أن الحوافز الضريبية والجمركية التي تعهدت بها الحكومة الموريتانية للمستثمرين أن “تنجح في جلب استثمارات ترفع مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين”.
في هذا السياق قال محمد يسلم الفيلالي إنه يمكن اعتبار اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات التي تم توقيعها مؤخرا، “خطوة واعدة في هذا الاتجاه”.
وطالب بتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، مؤكدا أنه من الطبيعي أن “تعتبر موريتانيا استراتيجية المملكة العربية السعودية في إفريقيا فرصة كبيرة”.
مشاريع سعودية
مع ضعف التبادل التجاري، إلا أن التمويلات السعودية لم تتوقف عن موريتانيا، حيث تصنف المملكة أكبر ممول للمشاريع التنموية في موريتانيا، وأكثر الممولين سخاء في شطب الديون ومنح القروض الميسرة.
خلال زيارة الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية سلطان بن عبدالرحمن المرشد، العام الماضي إلى موريتانيا، منح الصندوق قرضًا بقيمة 100 مليون دولار لتمويل المرحلة الأولى من مشروع تزويد مدينة كيفه بالماء الصالح للشرب من نهر السنغال، وهو المشروع الاستراتيجي الذي تراهن عليه موريتانيا لحل أزمة العطش في شمال ووسط البلاد.
المشروع يشمل شبكة مياه بطول 250 كلم، ستمكن من توفير المياه في 90 قرية وتجمع سكاني، بنسبة تشكّل 20 في المائة من سكان موريتانيا.
وفي سياق مساعدة الحكومة الموريتانية على حل أزمة العطش، منح الصندوق السعودي للتنمية تمويلا قدره 25 مليون دولار لصالح مشروع شبكة توزيع المياه في العاصمة نواكشوط، التي تعاني من الترهل والصعف.
كما مول الصندوق العام الماضي مركزًا لغسيل الكلى في نواكشوط، بعشرة ملايين دولار، ومول أيضًا مشروع الحرم الجامعي الجديد في نواكشوط، بمبلغ 30 مليون دولار.
ولكن التقارير تشير إلى أن التمويلات السعودية لصالح التنمية في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة تجاوزت 800 مليون دولار، واستفاد منها 53 مشروعًا للتنمية.