قال توفيق لشهب، المدير الإداري العام للمصرف الإسلامي الموريتاني (BIM)، إن البنك منذ أن استحوذت عليه مجموعة استثمارية موريتانية أصبح يسجل أرباحًا متزايدة يومًا بعد يوم.
وأضاف لشهب الذي يتولى إدارة البنك منذ 2019، أن البنك حصل على رخصته عام 2010 ولكنه “واجه الخسارة بعد ذلك، ووصلت ذروتها في العام 2017، حيث خسر 150 مليون أوقية (جديدة)”.
ومنذ أن تم الاستحواذ على البنك في شهر أغسطس 2021، قال لشهب: “استفدنا بدرجة كبيرة من علاقات وتجربة الملاك الجدد في السوق الموريتانية، وثقتهم الممتدة في مختلف مناطق البلاد”، مشيرًا إلى أن فروع البنك تضاعفت منذ ذلك الوقت من ستة فروع فقط إلى 20 فرعًا، كما تضاعف عدد العمال 100 في المائة.
وبخصوص أرباح البنك، قال مديره العام: “انتقلنا من بنك ينتقل من خسارة إلى خسارة أقل، إلى بنك تتزايد أرباحه يوما بعد يوم، وكمثال على ذلك، فقد حققنا أرباحا في السداسي الأول من العام الجاري بنحو 50 مليون أوقية (جديدة)، تضاف إلى 77 مليون أوقية في سنة 2022”.
وفيما نص المقابلة كاملًا:
سؤال: توليتم – وأنتم أجنبي – إدارة أول بنك إسلامي أجنبي في موريتانيا، وقد حافظتم على إدارته بعد مرتنة رأس ماله، ما هي – برأيكم – أسباب فشل بنك إسلامي في بلد إسلامي؟
أولا: لدي تصويب، فأنا في بلدي، أنا لست أجنبيا في موريتانيا، ولم أشعر فيها للحظة بالغربة، أو أنني في بلد غير بلدي تونس.
ثانيا: ليس غريبا إطلاقا، أن يوجد بنك إسلامي في جمهورية إسلامية، وفي بلد وشعب كموريتانيا وكالشعب الموريتاني.
وبخصوص الإشكالات التي أدت لتراجع البنك في تجربته الأولى، دعني أستخدم هذا التوصيف بدل الفشل، فمن وجهة نظري أن التجربة لم تفشل، وإن تعثرت.
لقد حصل البنك – فعلا – على رخصته في العام 2010، وبدأ العمل فعليا في العام 2012. في سنواته الأولى حقق أرباحا محدودة على حساب التطور، وواجه الخسارة بعد ذلك، ووصلت ذروتها في العام 2017، حيث خسر 150 مليون أوقية (جديدة).
وتعود أسباب هذه الخسارة بالدرجة الأولى لاستراتيجية البنك، وخصوصا التركيز على تحقيق الربح على حساب التطور، وعدم التوفيق في استجلاب الكفاءات والطاقات البشرية، ولم تكن إطلاقا، بسبب عدم إقبال الشعب الموريتاني على التجربة، أو عدم تقبله لها.
فعلا، هو أول بنك إسلامي، رأس ماله بالكامل إسلامي، وقد أسس في موريتانيا، ولم يتأسس كفرع لأي بنك آخر، ولا يوجد في معاملاته ما يخالف قواعد الشريعة الإسلامية.
سؤال: سجل البنك خسائر معتبرة في فترته الأولى، وحقق أرباحا بعد تغيير ملكيته لموريتانيين، ما الذي أضافه الملاك الجدد للبنك؟
في العام 2020، وقبل انتقال ملكية البنك إلى المجموعة الجديدة، أطلقنا استراتيجية لتطوير البنك، واسترجاع الديون المتعثرة، ونجحنا في استقطاب كفاءات موريتانية لديها الخبرة والتجربة والثقة اللازمة، ولما انتقلت ملكية البنك إلى المجموعة الجديدة في أغسطس 2021، استفدنا بدرجة كبيرة من علاقات وتجربة الملاك الجدد في السوق الموريتانية، وثقتهم الممتدة في مختلف مناطق البلاد، ولدى مختلف المستويات والمجالات التجارية فيها.
وبلغة الأرقام، فإن البنك بعد استلام المجموعة الجديدة له، وتحديدا في شهر أغسطس 2021 كانت لديه 6 فروع فقط، أما اليوم فلديه عشرون فرعا تغطي مختلف ولايات البلاد، إضافة للمناطق ذات النشاط الاقتصادي المعتبر.
كما تضاعف عدد العمال 100%، حيث ارتفع عددهم من 75 إلى 150 عاملا، ويستفيدون من نظام عمل محفز، تحكمه قواعد ترقية وامتيازات واضحة وصارمة، يضمن لهم كرامتهم وحقوقهم، كما يوفر لهم التكوين والتطوير اللازمين، وأستطيع أن أجزم أنه لا يوجد مثيل له في شبه المنطقة.
هذا النظام يحدد بشكل مقنن طبيعة علاقتنا كإدارة بالعمال، وما يحق لنا وما لا يحق لنا، سواء في ذلك أنا كمدير عام، وحتى رئيس مجلس الإدارة، وهذا ما نرى أنه يمنح العمال ثقة وارتباطا أكثر بالمؤسسة، وأمنا وظيفيا يدفعهم للمزيد من الإنتاجية والعطاء، وهو ما نعتبر أن نتائج البنك تعكسه بشكل جلي.
وعلى مستوى الودائع، سجل البنك متوسط زيادة يصل إلى 50% سنويا منذ 2020، وهذا مؤشر، بل دليل قاطع على حجم ثقة الزبناء المتزايدة في البنك، وتزايد الإقبال عليه.
كما انتقلنا من بنك ينتقل من خسارة إلى خسارة أقل، إلى بنك تتزايد أرباحه يوما بعد يوم، وكمثال على ذلك، فقد حققنا أرباحا في السداسي الأول من العام الجاري بنحو 50 مليون أوقية (جديدة)، تضاف إلى 77 مليون أوقية في سنة 2022.
وفيما يتعلق بالتمويلات، وهي مساهمة البنك في دعم وتطوير الاقتصاد الوطني، فقد عرفت هي الأخرى زيادة بنسبة تفوق 50%.
كما أطلقنا تطبيق “بيم بنك”، وهو تطبيق إلكتروني سهل الاستخدام، ويتيح الكثير من الخدمات عبر الهواتف، وكان إطلاقه بشراكة مع شركة “الإمارة”، وهو ما أتاح له انتشارا واسعا في كل نواحي البلاد منذ اللحظات الأولى لإطلاقه، وهو الآن بحمد الله تعالى من بين التطبيقات الثلاثة الأولى الأكثر استخداما وانتشارا في البلاد.
وقد عمل البنك ضمن محور تطوير وتنويع خدماته، على إطلاق العديد من الخدمات، وكلها مطابقة للشريعة الإسلامية؛
- كمنتج “تدبير”؛ وهو حساب توفير مبني على قاعدة المضاربة الشرعية، ويتيح لصاحبه أرباحا آخر كل سنة، ويمكن للزبون استعمال أمواله متى شاء ذلك.
- و”المضاربة”؛ وهي حساب استثمار تحدد مدته ما بين ثلاثة أشهر وسنتين، ويتيح لأصحابه ربحية أعلى من منتج “تدبير”.
- و”الوكالة بالاستثمار”، وهي منتج إسلامي يمكن المستثمر من أرباح يمكن تحديدها مسبقا.
ونستعد الآن لإطلاق مشاريع جديدة تحمل حلولا فنية ستكون بحول الله في خدمة ربط جالياتنا في الخارج بذويهم، وتسهيل عمليات التبادل بينهم، وبشكل مباشر وفعال، وآمن ومرن…..
سؤال: …. لكن، تمويلاتكم لا تختلف عن تمويلات البنوك الأخرى، حيث إنها تتجه إلى المجموعات المالية، ولا تستفيد منها المشاريع الصغيرة كمشاريع الشباب والنساء المنتجات، وهي مشاريع يمكن أن تساهم في تطوير الاقتصاد الوطني؟
اسمحوا لي أن أصحح لكم، فما ورد في هذا السؤال مخالف للواقع، إذ إن البنك مول مشاريع في مجالات مختلفة، وتخدم قطاعات الاقتصاد الوطني، كالصيد والزراعة وغيرهما، ونواصل جهودنا في هذا المجال، ودعمنا للمشاريع الشبابية بشكل خاص، والمشاريع الإنتاجية الوطنية بشكل عام.
والحقيقة أن رؤيتي كمدير عام، ورؤية المجموعة المالكة هي أن يستفيد الزبناء أولا من التمويلات، وإذا ما تبقى مجال يكون لتمويل المجموعة على ألا نصل – بل ولا نقترب – من السقف المحدد من طرف البنك المركزي للتمويلات المرتبطة بالمجموعة التجارية، وهذا السقف هو نسبة 25%.
أنا أرى – وهذا أكرره دائما – أنه من الأفضل لنا أن تكون لدينا عشرة آلاف زبون، حتى ولو كانت ودائعهم لا تتجاوز 2 مليار أوقية، من أن يكون لدينا ألف زبون وودعائهم تتجاوز 5 مليارات أوقية. البنوك يقاس نجاحها بانتشارها، وباتساع الاستفادة منها، وليس بتكديس الأموال دون فائدة على الاقتصاد الوطني.
نحن نسعى – فعلا – لكسب ثقة الجميع، وأن يجد الجميع لدينا ما يخدمه، وأن نربح جميعا، وفق قاعدة “رابح رابح”، وهي قاعدة تفتح أبواب شراكة وتعاون واسعين.
سؤال: هناك من يرى أن الحديث عن بنوك إسلامية، مجرد شعارات تهدف للعب بعواطف المودعين، واستغلال هذا الشعار الجاذب، دون أن تختلف في الواقع عن البنوك التقليدية؟
لدي تجربة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود في مجال الاقتصاد الإسلامي، والمصارف الإسلامية، وأقول – انطلاقا من هذه التجربة والخبرة – إن البنك الإسلامي هو الذي يثبت في نظامه الأساسي أنه لا يتعامل بالربا لا أخذا ولا عطاء، وهذا ما ينطبق فعليا على هذا البنك، حيث إن هيئته الشرعية التي تضم ثلاثة من أفضل علماء البلد لديهم خبرة كبيرة في العمل المصرفي، وقرارتها ملزمة، كما أن لديها مراقب شرعي يراقب كل أعمال البنك.
وهذه الهيئة الشرعية تعينها الجمعية العمومية، وهي أعلى سلطة في البنك، حيث إنها هي من يعين مجلس الإدارة، والإدارة العامة، وبالتالي فلا سلطة للإدارة العامة للبنك، ولا لمجلس الإدارة على الهيئة الشرعية.
أنا أعتبر أن النقاش اليوم تجاوز هذه الإشكالات التي كانت تطرح في مرحلة من مراحل هذه التجربة، أما اليوم فالتجربة المصرفية الإسلامية أثبتت نجاحها، بل وريادتها في الميدان، ولم يعد لهذا النوع من الطرح أي مسوغ ولا مبرر.
سؤال: ما هي التحديات التي تواجه بنكا إسلاميا في النظام المصرفي الموريتاني؟
لا توجد لدينا أي ملاحظات على طبيعة التشريعات الحاكمة في المجال، كما أنه لا ملاحظة لنا على الطريقة التي يتم بها تسيير المجال، وكذا تعاطي البنك المركزي معنا.
ومع ذلك، فهناك مطالب واقتراحات نقدمها دائما عندما نجد فرصة لذلك، ومن هذه الفرص الحديث لكم كوسيلة إعلام لديها جمهورها المحترم، من بين هذه المقترحات ضرورة مواكبة التطورات التقنية، وخاصة ما يتعلق بتطبيقات الهواتف، فقد تقدمنا مع ستة بنوك أخرى بمقترح من أجل السماح لنا بتبادل التحويل بين تطبيقاتنا، وهذا المقترح فضلا عن دوره في تشجيع التطبيقات، فإنه يخدم المواطن بالدرجة الأولى، ويسهل الكثير من أعماله، وبالتالي نأمل أن يتم التعاطي معه بإيجابية.
ونظرا، لانسيابية علاقتنا مع كل الشركاء، وخصوصا البنك المركزي، فإنني أفضل أن يظل تعاطينا عبر اتحادية المؤسسات المالية، والبنك المركزي، ومن الطبيعي أن تظل هناك تحديات ومشاكل، وأن تواكب بالحلول، وبالتعاطي الإيجابي.
سؤال: أخيرا، ما هي رسالتكم للفاعلين في المجال الاقتصادي، وللشعب الموريتاني بشكل عام
رسالتي لكل الشعب الموريتاني الكريم، أن واجبنا جميعا كمسلين أن نتعاون على خدمة بلداننا، وتطويرها، وازدهار اقتصادها، وعلى نجاتنا كأفراد في تعاملاتنا اليومية من المخالفات عموما، سواء ما تترب عليه عقوبة أخروية أو عقوبة دنيوية، وخصوصا الربا وما يتعلق به.
وفي ظل واقع اليوم، يكون هذا التعاون ضروريا، لأن إيجاد البدائل الشرعية يشكل تحديا حقيقيا، ومع ذلك فلا خيار أمام المسلم سوى بذل وسعه لتفادي التعرض للوعيد الرباني الشديد في هذا المجال.
كما أنبه هنا إلى واجبنا جميعا ضمن مقتضى استخلافنا في الأرض أن نعمل على تعميرها، ومن أهم وآكد مجالات الإعمار إصلاح الاقتصاد الوطني، والعمل على جعله مطابقا للشريعة الإسلامية، ففي ذلك من خيري الدنيا والآخرة ما الله به عليم.
أدرك أنني أتحدث لشعب مسلم 100%، ولديه – بالطبيعة – ثقافة شرعية واسعة، وعلى درجة مبهرة من الطيبة، والقرب من الفطرة، وحب الخير، وحرص شديد على احترام وتطبيق القواعد والضوابط الشرعية، وبالتالي، فأنا لست في حاجة للكثير من الحديث عن هذا الموضوع، وإنما تكفي هذه الإشارات العامة، والتوجيهات القليلة.
وخلاصة الرسالة، أن البنوك الإسلامية تفتح لهم المجال لاستثمار أموالهم – ولو قلت – بطريقة مطابقة للشريعة الإسلامية، وبآفاق واعدة، وهي فرصة لإنجاح هذه المشاريع دعما للبدائل الإسلامية، ومساهمة في تأمين وتطوير الاقتصاد الوطني، وتحقيقا للربح الوفير بحول الله تعالى، كما تشهد لذلك كل التجارب المماثلة حول العالم.
وإني أدعو الإخوة الموريتانيين إلى إيداع كل أموالهم في البنوك الإسلامية مهما قلت أو كثرت، لأن هذه البنوك تحول تلك الأموال إلى تمويلات ومشاريع تشغل شبابا عاطلا، وبهذا يحصل إعمار الأرض، وتعم البركة.