احتدمت المعارك في العاصمة السودانية حتى وقت مبكر من اليوم الأحد، بعد يوم من المواجهات العنيفة بين قوات الجيش التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ما أسفر وفق نقابة الأطباء السودانية عن مقتل 27 شخصا وإصابة 170 على الأقل.
وأفاد شهود عن سماع إطلاق نار ودوي انفجارات في شوارع الخرطوم المقفرة في أعقاب إعلان قوات الدعم السريع عن سيطرتها على المقر الرئاسي ومطار الخرطوم ومنشآت حيوية أخرى.
لكن الجيش سارع إلى نفي هذه المزاعم، وفي بيان صدر في وقت متأخر السبت حذرت القوات الجوية السودانية المواطنين بضرورة التزام منازلهم مع استمرار الغارات الجوية ضد قواعد قوات الدعم السريع.
وشوهدت في وقت سابق طائرات مقاتلة سودانية تحلق في الأجواء. وقال مراسلو فرانس برس إن المباني والنوافذ اهتزت في مناطق عدة من الخرطوم خلال المعارك، كما سمعت أصوات انفجارات في وقت مبكر الأحد.
وقال بيان صدر في وقت مبكر الأحد عن نقابة الاطباء في السودان إن المعارك “خلفت 27 قتيلا” بينهم اثنان في مطار الخرطوم “في إحصاء أولي للأحداث المؤسفة”، مضيفا أن 170 آخرين أصيبوا بجروح.
حرب التصريحات
في تصريحات لقناة الجزيرة، أكد دقلو المعروف باسم حميدتي إن قواته “لن تتوقف” إلا بعد “السيطرة الكاملة على كل مواقع الجيش”. وشدد على أنه لا يمكنه التكهن بموعد توقف القتال.
وقال “لا أستطيع أن أحدد (متى تنتهي المعارك)، فالحرب كر وفر”.
من جهته قال الفريق أول البرهان في تصريحات منفصلة لقناة الجزيرة، إنه “فوجئ في التاسعة صباحا” بحصار مقر قيادته من قبل قوات حميدتي حليفه السابق الذي يصفه اليوم بأنه “يقود ميليشيا مدعومة من الخارج”.
ومساء أكد حميدتي، في تصريحات هاتفية لقناة سكاي نيوز عربية، أنه سيستمر في القتال إلى أن “يستسلم البرهان المجرم”، مضيفا أن قواته ستلقي القبض عليه خلال الأيام المقبلة.
هل انتصر حميدتي؟
وفي وقت متأخر من مساء السبت، أصدرت قيادة قوات الدعم السريع، بيانًا موجهًا إلى الشعب السوداني، هو الخامس من نوعه منذ بداية الأحداث، أعلنت فيه “السيطرة على عدد من المقرات والمواقع الاستراتيجية بالعاصمة والولايات”.
وقالت إن من بين المواقع التي أصبحت تحت سيطرتها “القيادة العامة للقوات المسلحة، رئاسات الفرق في ولايات دارفور وعدد من الولايات جاري حصرها، السيطرة على الملاحة الجوية في كل السودان”.
وأضافت أنها سيطرت أيضًا على “القاعدة الجوية بجبل الأولياء، ومعسكر سوبا الباقير الذي يضم أكثر من 60 دبابة وكميات كبيرة من الأليات والمعدات العسكرية، والتصنيع الحربي قري”.
كما أعلنت قيادة قوات الدعم السريع أنه قد انضم إليها “عدد من كبار الضباط في الجيش، وعلى رأسهم المفتش العام للقوات المسلحة الفريق دكتور مبارك كوتي كمتور”، وأشارت إلى أن “عددا كبيرا من الضباط من القوات المسلحة مصابين”.
وأوضحت أنها سيطرت أيضًا على مقر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وحددت ما سمته “مخبأ البرهان وكباشي ومحمد عثمان الحسين وجاري العمل للقبض عليهم”، وذلك بعد أسر واحتجاز “42 قناصا بأسلحتهم وجميعهم يتبعون إلى مجموعة الإسلاميين التي يقودها أسامة عبد الله تقاتل إلى جانب قيادة القوات المسلحة”، وفق نص البيان.
وخلصت قيادة قوات الدعم السريع إلى أن “ما قامت به قيادة القوات المسلحة، وعدد من الضباط، يمثل تعدي واضح على قواتنا التي كانت تلتزم بالسلمية وتتحلى بضبط النفس”، مشيرة إلى أن “مسلك قيادة القوات المسلحة يؤكد عدم الرغبة في استقرار وأمن الوطن”.
وقالت إن “الشرفاء من أبناء القوات المسلحة انضموا لخيار الشعب”، وفق نص البيان.
ردود دولية
اندلع النزاع المسلح بعد انهيار مفاوضات كانت تجري بين الطرفين، بوساطة من أطراف عدة، حين حشد البرهان طائراته الحربية من أجل “تدمير” معسكرات قوات الدعم السريع في الخرطوم، في حين هاجم حميدتي قائد الجيش ولم يتردد في وصفه بـ”المجرم” الذي “يدمر البلاد”.
واستيقظ 45 مليون سوداني، يصوم معظمهم العشر الأواخر من رمضان، على أصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة والانفجارات في الخرطوم وعدة مدن أخرى.
وطالبت الأمم المتحدة والجامعة العربية وواشنطن وموسكو بوقف “فوري” للقتال في السودان. أما الجارة مصر فدعت الطرفين إلى “التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس”.
وقال بيان للأمم المتحدة إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش “تشاور مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى فقي بشأن تهدئة الوضع”، مضيفا أن مشاوراته شملت البرهان ودقلو.
أما فرنسا، فاعتبرت أن “وحدها العودة إلى عملية سياسية تجمع كل الأطراف وتقود إلى تعيين حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة، يمكنها إيجاد تسوية دائمة لهذه الأزمة”.
ومن المقرر أن تعقد جامعة الدول العربية بناء على طلب مصر والسعودية اجتماعا عاجلا الأحد لمناقشة الأوضاع في السودان.
وكانت قوات الدعم السريع قد أكدت قبيل ظهر السبت “السيطرة الكاملة” على القصر الجمهوري في وسط الخرطوم وقصر الضيافة الذي يستقبل فيه كبار ضيوف الدولة ومطار الخرطوم ومطاري مروي (شمال) والأبيض (وسط)، فيما نفي الجيش السيطرة على المطار مؤكدا أن “عناصر من الدعم السريع تسللت الى المطار وأحرقت طائرتين إحداها تابعة للخطوط السعودية” التي أكدت وقوع هذا الحادث.
انسداد سياسي
يأتي اندلاع هذا النزاع المسلح، فيما يشهد السودان انسدادا سياسيا بسبب الصراع بين أجنحة المؤسسة العسكرية، إذ أنه في مطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير.
وكان الخلاف يتركز حول شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو بند أساسي في اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه.
وكان يفترض أن يسمح هذا الاتفاق بتشكيل حكومة مدنية، وهو شرط أساسي لعودة المساعدات الدولية إلى السودان، أحد أفقر بلدان العالم، رغم مقدراته الهائلة.