وقالت هذه المصادر الرفيعة التي فضلت حجب هويتها إن العملية الأمنية “كانت معقدة جداً”، خاصة وأن جرد لائحة ذوي السوابق في نواكشوط لم تفض إلى أي شيء، وبالتالي توجب على عناصر الشرطة القضائية أن يسلكوا طرقاً “غير تقليدية” في العملية.
وأضافت نفس المصادر أن السلطات قامت في البداية بتشكيل لجنة أمنية تضم 6 من مفوضي الشرطة، أوكلت إليها عملية التحقيق في القضية، ولكن بعد أسبوع وجدت اللجنة صعوبة في التحقيق، ما جعل مفوض الشرطة القضائية يعمل بشكل مستقل، وفق تعبير المصادر.
وأكدت نفس المصادر أن مفوض الشرطة القضائية في تفرغ زينه علي ولد الإمام، طلب من مديرية الأمن منحه مهلة أسبوع للقبض على عناصر العصابة، معتمداً على خيوط أحاطها بالكثير من السرية، على حد تعبير المصادر الأمنية.
مصنع الثلج
بدأت التحقيقات من عند بطاقة أمنية عُثر عليها بالقرب من وكالة البنك التي تعرضت للسطو، وهي بطاقة قدم صاحبها توصية لأحد البحارة يستفيد بموجبها من تسهيلات أمنية لدى الشرطة وعناصر الأمن، وقد قادت هذه البطاقة إلى متابعة الحركة في شاطئ الصيادين.
بعد أيام من المتابعة الأمنية اللصيقة اكتشف عناصر الشرطة القضائية أن هنالك حركة “غير طبيعية” في مصنع للثلج في شاطئ الصيادين، إذ أن المصنع انتعشت أحواله المالية بشكل مفاجئ بعد أن كان يعاني من ضائقة مالية، فأخضعه الأمن لمراقبة لصيقة على مدى ثلاثة أيام.
قادت متابعة مصنع الثلج إلى معرفة أن عدد عماله اثنين، ومالكه شاب يقيم في مقاطعة لكصر، ويعيش حياته بشكل طبيعي، فقرر الأمن مراقبة منزله لعدة أيام لم يغادر خلالها مالك المصنع منزله أبداً، ما أرغمهم على إرسال عناصر من الشرطة على أنهم “رجال من الضرائب” إلى المصنع.
بعد وصول رجال الأمن المتنكرين في زي الضرائب إلى عمال المصنع، اتصل العمال بالمالك وأخبروه بالموضوع، مشيراً إلى أن المصنع يواجه فرض ضرائب كبيرة وسيتم إغلاقه، هنا أجبر الشاب على مغادرة المنزل والتوجه مباشرة إلى شاطئ الصيادين.
المصادر الأمنية أكدت أن مكالمة العمال مع مالك المصنع، مكنت من معرفة رقم هاتفه ومتابعة مكالماته وتسجيلها، وبعد وصوله إلى المصنع شك في رجال الأمن بعد أن شاهد مفوض الشرطة القضائية بتفرغ زينه، ليغادر المكان على الفور فيما حاول عناصر الأمن اللحاق به بلا جدوى، ولكن العناصر المكلفين بمراقبة منزله اعتقلوه عندما عاد ووجدوا بحوزته سلاحاً وكمية من المبلغ المسروق.
التحقيق والاعتراف
بعد اعتقال مالك مصنع الثلج قادت التحقيقات معه إلى الاعتراف بشركائه في السطو على وكالة البنك، وكان من بينهم عسكري في الدفاع الجوي، وشاب آخر والده موريتاني وأمه روسية حاولت تعقيد الأمور أمام الشرطة عندما حاولا اعتقال ابنها.
وقالت المصادر الأمنية إن السيدة الروسية طلبت من الشرطة وثيقة تؤكد تورط ابنها في عملية السطو على البنك، ولكن الأخير اعترف أمام المحققين وكشف لهم ستة ملايين أخفاها فوق السلالم في بيت أهله، وهو ما جعل والدته تسمح باعتقاله.
وقد اعتقلت مفوضية الشرطة القضائية حتى الآن أربعة أشخاص هم الذين خططوا وشاركوا في عملية السطو على وكالة ” بي أم سي إي”.
الدوافع والمبالغ
عناصر الشرطة القضائية تمكنوا من استعادة مبلغ 20 مليون أوقية، من أصل 29 مليون أوقية هي إجمالي المبلغ الذي تمت سرقته من الوكالة، وفق ما أكد المتهمون بعد التحقيق معهم.
وحول الدوافع التي جعلتهم يقدمون على سرقة وكالة بنكية، قال المتهمون للمحققين إن الوضعية المالية الصعبة التي كانوا يمرون بها، والتي هددت مستقبل مصنع الثلج الذين يديرونه، هي التي جعلتهم يقدمون على سرقة بنك بوصفها أسهل الطرق وأكثرها بساطة، وفق تعبيرهم.
وقال المتهمون في اعترافاتهم أمام محققي الشرطة القضائية إنهم خططوا للعملية قبل تنفيذها بأسبوعين فقط.