لقد استقطبت شبكات تهريب السجائر عشرات الشبان الموريتانيين الذين وصلوا إلى العالم الجديد بحثاً عن “الحلم الأمريكي”، وهو حلمُ يقوم على “المخاطرة” من أجل “الثراء” و”النجاح”، حتى ولو كلف ذلك تعريض أنفسهم للاعتقال والملاحقة القانونية.
الشرطة الأمريكية في ولاية فرجينيا، وبعد فترة من المتابعة والتحقيق، قامت يوم الأربعاء الماضي بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الموريتانيين المنخرطين في شبكات تهريب السجائر بين ولايتي فرجينيا ونيويورك، وهي اعتقالات طالت حتى اليوم السبت 9 موريتانيين، في ظل الحديث عن ملاحقة العشرات.
قد يتساءل الكثيرون عن سبب إقبال الشبان الموريتانيين في ولاية فرجينيا ونيويورك على تهريب السجائر، وهو سؤال تجيب عليه الضرائب، إذ تفرض ولاية فرجينيا واحدة من أقل النسب الضريبة في الولايات المتحدة على علبة السجائر، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 30 في المائة فقط.
أما في ولاية نيويورك فقد تتجاوز الضريبة على علبة السجائر الواحدة 4.35 دولار، وهو ما جعل أن المدخن في نيويورك هو أكثر مدخن يدفع الضرائب في الولايات المتحدة.
هذا التفاوت الضريبي الكبير أغرى المهربين بنقل السجائر من الولايات منخفضة الضريبة (فرجينيا) إلى الولايات ذات الرسم الضريبي المرتفع (نيويورك)، والاستفادة من هامش ربح كبير جداً.
وبحسب ما أعلن عنه المكتب الفيدرالي لمكافحة تهريب الكحول والتبغ والأسلحة النارية، فإن تهريب السجائر وصل إلى قرابة 10 مليارات دولار أمريكي سنوياً، وهو ما يعني أن الحكومة الأمريكية تخسر هذا المبلغ على شكل تهرب ضريبي كل عام.
في السنوات الأخيرة ازدهر تهريب السجائر في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد توجه السلطات إلى رفع الضرائب على السجائر من أجل سد العجز في الميزانيات، إذ تشير التقارير إلى أنه منذ عام 2007 قامت 27 ولاية أمريكية برفع الضرائب المفروضة على السجائر.
أما في الفترة ما بين 2010 و2012 فقد أعلنت ولاية نيويورك في تقرير رسمي أن كميات السجائر التي تم ضبطها مهربة إليها قد تضاعف أربع مرات، ويشير التقرير إلى أن هذه الأرقام لا تمثل إلا ما تم ضبطه، أي أنه رأس جبل الجليد فقط.
نفس التقرير يشير إلى أن نسبة 40 في المائة من السجائر التي تدخن في مدينة نيويورك، قادمة من ولايات أمريكية أخرى، وبشكل خاص من ولاية فرجينيا، إلا أنه لا توجد أي إحصائيات لنسبة ما يقوم الموريتانيون بتهريبه من هذه السجائر.
كثيرة هي الضوابط والقوانين التي تم سنها من أجل الحد من تهريب السجائر، فمؤخراً قامت ولاية فرجينيا بتجريم شراء أو حيازة أكثر من 5 آلاف سيجارة، ولكنها تركت عدة طرق أخرى تمكن المهربين من الالتفاف على القانون الجديد، كسهولة فتح محلات مرخص لها ببيع السجائر.
الموريتانيون القاطنون في مدينة “ريتشمند فرجينيا”، وجدوا في تهريب السجائر تجارة تناسبهم، بل إن كثيراً منهم أصبح من الصعب عليه أن يمارس أي مهنة أخرى، بعد أن تعود على عمل سهل ومردود مادي كبير.
المصادر التي تحدثت لـ”صحراء ميديا” تشير إلى أن الموريتانيين نظموا أنفسهم في “شبكة لتهريب السجائر”، وانقسموا إلى عدة مجموعات؛ مجموعة تملك محلات لديها ترخيص بشراء كميات كبيرة من السجائر، وأصحاب هذه المجموعة هم من يحصلون على أكبر نسبة من الربح بعد عملية التهريب.
أما المجموعة الثانية فهي عبارة عن أفراد مكلفين بمهمة جمع السجائر من خلال شرائها من المحلات بكميات صغيرة، وجمعها بعد ذلك لتسلم إلى المجموعة الثالثة التي تتولى مهمة النقل من فرجينيا إلى نيويورك، وهي المجموعة الأكثر عرضة لخطر الإيقاف والاعتقال.
أما المجموعة الرابعة والأخيرة فهي التي تتولى مهمة تسويق السجائر بعد وصولها إلى مدينة نيويورك.
وتتحدث المصادر عن هذه الشبكة على أنها “شبكة منظمة، من ضمن أفرادها مستثمرون ومهربون وعمال عاديون في محلات عديدة، وتتحرك في رؤوس أموال طائلة جداً”.
وتضيف نفس المصادر أن هذه الشبكة “تعمل منذ عدة سنوات، ولكنها تطورت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة”، مشيرة إلى أن العديد من الموريتانيين سبق أن واجه مشاكل مع الشرطة والجمارك.
ليس الموريتانيون هم الوحيدون في عالم “تهريب السجائر” في الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن هنالك جنسيات كثيرة سبقتهم لهذا العالم، وأولها الأمريكيون أنفسهم، فالمهربون يرون في تهريب السجائر “تجارة مثالية” بالمقارنة مع بقية التهريب.
في تقرير نشرته العام الماضي، نقلت صحيفة “ليكونوميست” عن أحد مهربي السجائر قوله إن “تهريب السجائر تجارة مثالية، ليس فقط لأن مداخيلها المادية أكبر من مداخيل تهريب المخدرات والأسلحة، ولكن لأن العقوبات المترتبة عليها أخف بكثير”.
يشير تقرير صدر عن لجنة الجرائم في ولاية فرجينيا في شهر سبتمبر الماضي، إلى أن عائدات تهريب السجائر أكبر من عائدات تهريب المخدرات والأسلحة.
أما فيما يتعلق بالعقوبات التي تصدر في حق من يقبض عليهم بتهمة تهريب السجائر أخف بكثير من تلك التي تصدر في حق المتهمين بتهريب المخدرات والأسلحة، إذ يواجه المعتقلون في قضايا تتعلق بتهريب السجائر أحكاماً بالسجن تصل في أقصاها إلى خمس سنوات فقط، مقابل السجن المؤبد بالنسبة للمدانين بتهريب المخدرات على سبيل المثال.