حين هزم اسبانيا، توجه مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم وليد الركراكي إلى المدرجات، بحث عن والدته بين الجماهير ليقبل رأسها، لحظة أسرت قلوب أغلب من تابعوا المباراة، فقد كانت “الأم المغربية” هي صانعة الفرح في مونديال 2022 بقطر.
تصدر المغرب مجموعة صعبة، ثم هزم اسبانيا والبرتغال، وهو اليوم يستعد لمواجهة فرنسا، بطل العالم في نسخته الأخيرة، كل هذه الرحلة الصعبة ظل فيها منتخب المغرب صاحب أقوى دفاع في البطولة، حين استقبل هدفًا واحدًا كان عكسيًا، فما السر وراء صناعة اللاعبين المغاربة للتاريخ؟
إنّه وليد الركراكي، كما يرى كثير من متابعي رحلة هذا المنتخب التاريخية.
ابن مهاجرين
رجل هادئ، متوسط القامة، أنيق الملبس، يمتلك قدرات في الخطابة تمكنه من تحفيز لاعبيه، فيخرج أفضل ما لديهم، والتضحية بكل قطرة عرق على أرضية الملعب.
في بلدية “كورباي إيسون” بضواحي باريس ولد الركراكي في سبتمبر 1975، لأب وأم مغربيين، وهو بذلك يحمل الجنسيتين المغربية والفرنسية.
لعب الركراكي كرة القدم وهو طفل صغير في البلدة التي ولد فيها، قبل أن يبدأ شيئا فشيئا تلمس طريق الاحتراف، وفي النهاية فضّل تمثيل المنتخب المغربي، ليخوض معه 45 مباراة دولية.
لم تكن مسيرته كلاعب بذلك النجاح، رغم أنه لعب في ستة أندية أوروبية، ما بين فرنسا واسبانيا، دون إنجازات ملفتة للانتباه.
البداية
توجه الركراكي إلى عالم التدريب، في حدود عام 2013، ومنذ ذلك الوقت تولى تدريب ثلاثة أندية، بدأ من الفتح الرباطي (مغربي) ليفوز معه بالدوري المحلي، رغم أنه لم يكن من بين المرشحين للقب.
إن تجربته الناجحة مع الفتح الرباطي، والوداد البيضاوي بعد ذلك، إضافة إلى تدريب نادي الدحيل القطري، جعلت “الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم” تضعه من بين خيارات تدريب المنتخب المغربي قبيل انطلاق مونديال 2022.
وبالفعل تلقى الركراكي من الجامعة الملكية عرضًا شهر أغسطس الماضي، يتولى بموجبه الإدارة الفنية للمنتخب، وهو ما تم بالفعل قبل ثلاثة أشهر فقط من افتتاح المونديال.
كان التحدي كبيرًا أمام الركراكي، خاصة وأن الخلافات مشتعلة داخل غرفة ملابس لم تعرف الهدوء في فترة البوسني وحيد خليلوفيتش، فكان السؤال المطروح بقوة: هل سينجح في إعادة ترتيب الأمور؟
مدرب مثابر
حين أعلن تعيين الركراكي، تفاعل معه المغاربة بكثير من الحماس، فالجماهير الرياضية تعرفه حق المعرفة، عندما كان مدربا لفريق الفتح الرباطي والوداد البيضاوي، ويلقبونه بـ “راص الأفوكا”.
قبل ست سنوات قال الركراكي إنه في يوم ما سيدرب الوداد البيضاوي أو الرجاء البيضاوي، كما سيدرب فريق نادي برشلونه، تلك هي أحلام الركراكي التي سخر منها كثير من المعلقين، فكانت مادة للتندر، لكن المدرب المثابر حقق ما كان يأمل بتدريب الوداد البيضاوي، فيما بقي جزء من الحلم مؤجلًا.
ولكن ما لم يتوقعه أحد أن يكون الركراكي هو أول مدرب أفريقي وعربي يتأهل لنصف نهائي كأس العالم، وما تزال أمامه فرصة مواصلة الرحلة نحو النهائي، وربما الفوز بالكأس الغالية.
حين قدم مدربا لكتيبة أسود الأطلس، قال وليد الركراكي إنه يعد الجماهير بشيء واحد فقط، هو إعداد فريق مستعد للقتال في كأس العالم.
“القتالية” جزء من استراتيجية الركراكي كمدرب، فقد كانت هي الميزة السائدة لدى فريق نادي الفتح الرباطي خلال تدريبه له، وها هي اليوم حاضرة بقوة أكبر لدى المنتخب المغربي.
يصف الركراكي نفسه بأنه “مدرب براغماتي”، أي أنه يبني خطته حسب الإمكانات المتاحة له وقدرات اللاعبين الذين بحوزته، أي أنه يفكر فيما لديه قبل ما يمتلكه الخصم.
يقول الركراكي إن لديه العديد من الطرق للعب، يستطيع أن يلعب بأسلوب أسطورة التدريب الإسباني بيب غوارديولا المبني على الاستحواذ والقوة الهجومية، أو بأسلوب المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني القائم على الصلابة الدفاعية والقوة البدنية.
كما يعتمد في بعض الأحيان أسلوب المدرب الإيطالي المخضرم كارلو انشيلوتي، وهو مزيج بين عدة مدارس كروية، مبني على التوازن بين الخطوط، والتحكم في المباراة، مع الفعالية الهجومية والروح العالية للاعبين يتمتعون بالحرية في تطبيق أفكار المدرب.
لا يخفي الركراكي إعجابه بأسلوب أنشيلوتي.
نجاح المنظومة
في ظرف وجيز نجح الركراكي في بناء منظومة قوية ومنسجمة، صلبة دفاعيًا وتمتلك خط وسط مذهل، مع قدرات هجومية معقولة، إلا أن الركراكي يرى الأمور من زاوية أخرى.
يقول في مؤتمره الصحفي الأخير: “كنا محظوظين لأن جلالة الملك حفظه الله، وضع الكثير من الوسائل، من أجل تطوير كرة القدم في المغرب، وجزء كبير من هذه النجاحات يرجع إلى إنشاء الأكاديمية وتشييد البنية التحتية في المغرب، وبناء الكثير من الملاعب، وطبعا الأكاديمية تعد جزء هامًا من المشروع الملكي”.
يضيف الركراكي: “دائما كنا نستفيد من مزدوجي الجنسية المغاربة، وأنا واحد من هؤلاء، وجيل 2004 كان كثير منهم قد تلقى تكوينه في فرنسا، ولكننا في المغرب أدركنا سريعًا أنه من الضروري خلق تكوين محلي، وامتلاك قوى حية داخل الوطن”.
وخلص المدرب المغربي إلى القول إن “المنتخب المغربي اليوم فيه لاعبين محليين رفيعي المستوى، تلقوا تكوينهم محليًا، وهذا دليل على أن المغرب يسير في طريق التطور”.
وختم الركراكي حديثه قائلًا: “جلالة الملك هو صاحب هذه الرؤية، واليوم ها هي تؤتي ثمارها، فنحن في المغرب نعمل ونتطور”.