استلم موظف الخطوط في مطار مدريد جواز سفر مصطفى، ثم انحنى مطولا أمام شاشة صغيرة قبل أن يبلغه بضرورة تغيير وجهته.
تأشيرة شينغن التي بحوزة مصطفى كانت تمنحه فرصة المرور بمطار المكسيك لكنه اصطدم بعائق لم يكن في الحسبان.
السلطات المكسيكية شددت قيود دخول أراضيها بتأشيرة الاتحاد الأوروبي منذ ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية لأمريكا ولم يعد الأمر متاحا لغير من يحملون تأشيرة متعددة الدخول، ” اتفقت مع رفيقي على تغيير مسار رحلتنا فبادرنا لشراء تذاكر باتجاه بلد آخر”.
مسارات متشابكة
نيكاراغوا هي وجهة مصطفى الجديدة ومنها سيواصل مشوارا طويلا يمر بحدود دول عديدة و مسارات متشابكة ومعقدة،
يقول مصطفى إنه سلّم نفسه لمهربين بهدف عبور الأراضي المكسيكية باتجاه الحدود الأميركية مقابل مبلغ مادي .
مع غروب شمس يوم طويل أخذ مصطفى ورفاقه مكانهم في زورق صغير يغالب الموج العاتي في مشوار سيستمر أربع عشرة ساعة بعرض البحر، يصرخ الركاب من هول مشاهد ارتطام الموج بالزورق فيما يخرج السائق مسحوقا أبيض من جيبه ليضع جرعة قليلة منه في أنفه ثم يعود لهدوئه .
لكن الرحلة البحرية – على خطورتها – تبقى أرحم من قطع المسافة برا بسبب عصابات تعترض المهاجرين في صحراء المكسيك وتسلبهم كل ما بحوزتهم وفق مايروي هؤلاء لصحراء ميديا.
كما أن الطريق البري قد يلقي بهم فجأة في قبضة دوريات محاربة الهجرة وهذا يعني عودتهم على الأثر إلى العاصمة التي تبعد حوالي ألفي كيلومتر .
تمر الساعات طويلة كأنها أيام لتحط القافلة رحالها في مدينة تيخوانا المتاخمة للحدود الأميركية، يتنفس الجميع الصعداء لكن المشوار لم يكتمل!
مهربون محترفون
كان الجميع على تنسيق مع أحد كبار المهربين عبر الهاتف وقد أرشدهم للإقامة في فندق محدد في تيخوانا حيث سيلتقي معهم قبل أن تبدأ خيوط الفجر بالظهور.
في اليوم الموالي وزعت قافلة الموريتانيين إلى عدة فرق نقلت كل واحدة منها في باص صغير إلى حديقة عامة ثم جمعوا في باص كبير باتجاه السياج الحدودي وكان في انتظارهم أحد أفراد العصابة المكلف باصطحابهم لداخل الأراضي الأميركية.
في ساعات المساء الأولى أخذهم المهرب عبر طريق ملتو إلى أن وصل نقطة حيث يلتقي سياجان تفصل بينها مساحة ضيقة ثم أمرهم بالعبور دون الحاجة للتسلق.
تراءت عن بعد إشارة ضوئية تشبه إشارة المرور، أمرهم المهرب أن يتجهوا نحوها قبل أن يودعهم قائلا: مرحبا بكم في الولايات المتحدة، ثم اختفى.
وبعد حوالي عشرين دقيقة من السير على الأقدام وجدوا أنفسهم محاطين بسيارات حرس الحدود الأمريكي حيث سيكونون على موعد مع تحقيقات أولية تحدد خطوتهم المقبلة في الولايات المتحدة.