هنا مدينة نيويورك حيث العمارات الشاهقة ومظاهر الحضارة الأمريكية لا تزال عاجزة عن إخفاء مشاهد التشرد التي تباغت الزائر عند إشارات المرور ونواصي طرقات المدينة المكتظة.
مظاهر التشرد التي شكلت مفارقة في العاصمة المالية الأولى أخذت تتسع بسبب تداعيات كورونا خاصة ارتفاع معدل البطالة وتغول التضخم الذي بلغ مستويات هي الأعلى منذ عقود.
في أحد شوارع حي ذابرونكس يحدث أن تلمح شابا بالقرب من أحد الفنادق تشي ملامح وجهه أنه موريتاني. يتعزز الانطباع أكثر بحركاته ونظراته المرتبكة التي يوزعها بسرعة في كل الاتجاهات.
إنه أحد الشباب الذين تسلقوا الجدار الحدودي مع المكسيك قبل أسابيع في رحلة مثيرة لكن الواقع الذي اصطدم به بدا مغايرا لما كان يعتقد.
” أخبروني أن العثور على عمل لايستغرق أكثر من يوم واحد” يقول الشاب مضيفا أنه أنفق كثيرا من المال والوقت في مغامرة غير محسوبة على حد قوله.
تشير بعض التقديرات إلى أن حوالي ألفي موريتاني دخلوا الأراضي الأميركية منذ نهاية 2020 عبر الحدود المكسيكية من فئات عمرية مختلفة بينهم نساء إحداهن حامل وأطفال وفنانون.
وفيما كان يعتمد الوافدون الجدد على صلاتهم العائلية بمقيمين موريتانيين لاستضافتهم مؤقتا وربطهم بمحلات تجارية عربية يعملون فيها، فإن الوضع بدأ يخرج عن السيطرة مع تزايد أعداد المهاجرين القادمين من موريتانيا حيث بات من الصعب استيعاب هذا الكم البشري في منازل المقيمين .
كما أن المحلات التجارية بدأت هي الأخرى تستغل هذا الوضع فتراجع التعويض المادي الذي كانت تمنحه للعامل لأقل من نصف المبلغ المعتاد في بعض الحالات.
وقد بدأ رؤساء الجاليات الموريتانية في عدة ولايات أميركية التنسيق للتعاطي مع الوضع عبر خطة تقوم على تأجير منازل مؤقتة في مدينة نيويورك لإيواء الوافدين الجدد في انتظار دمجهم في سوق العمل.
لكن عقبات مالية وإجرائية تعرقل أو تبطئ على الأقل تنفيذ هذا المقترح بشكله الحالي فيما يواجه كثيرون حرجا في إعطاء عناوين سكنهم للقادمين الجدد تفاديا لمواجهة مساءلة قانونية محتملة حول تشجيع الهجرة غير الشرعية.
يتحدث بعض من وصلوا عبر السياج الحدودي عن إحباطهم إزاء الوضع الذي بدا مختلفا تماما عن الصورة التي ارتسمت في أذهانهم حيث تحول الحلم الأميركي إلى كابوس تشرد يهدد بعض الوافدين الجدد.
فتداعيات كورونا وأزمة التضخم عوامل من بين أخرى قلصت من فرص العمل في الولايات المتحدة بسبب إغلاق كثير من الشركات والمحلات التجارية أبوابها تحت وطأة الإفلاس.
وتنحصر مجالات عمل المهاجرين الذين لا يتوفرون على إذن عمل في عدد محدود من المحلات التجارية يملك اليمنيون أغلبها ويتم الاتفاق على صيغة العمل شفويا دون عقد مكتوب يصون لهم بعض حقوقهم.