ثمانية أشهرٍ كانت كافية ليتكرر نفس المشهد في بوركينا فاسو؛ عناصر شابة من الجيش والقوات المسلحة، يظهرون في التلفزيون الحكومي، يحملون أسلحتهم ويرتدي أغلبهم أقنعة عسكرية، فيما يتوسطهم النقيب كيسواندسيدا فاروق سروغو، ليقرأ بيان تعطيل الدستور والاستيلاء على الحكم.
في بيان يناير الماضي أعلن النقيب سروغو أن العقيد بول هنري داميبا هو رئيس البلاد، ولكن نفس النقيب عاد في بيان الأمس ليعلن إزاحة العقيد لصالح النقيب إبراهيم تراوري.
كان النقيب الشاب إبراهيم تراوري يجلس إلى اليمين عن رفيقه سروغو، في ملامحه بعض الصرامة، مع قليل من التوتر، فليس من السهل تولي الحكم في بلد يتقلب منذ 2015 على كف عفريت، فمن هو هذا النقيب الشاب الذي أحكم قبضته على بوركينا فاسو، أرض الرجال الأحرار؟
انتظر سكان بوركينا فاسو لأكثر من 12 ساعة من التوتر، حتى يطلعوا على حقيقة ما يجري داخل المؤسسة العسكرية، كانوا يترقبون المفاوضات الجارية بين رفاق السلاح، مفاوضات أسفرت عن إزاحة العقيد داميبا من الواجهة.
بالنسبة إلى البعض كان ما جرى انقلابا عسكريًا، فيما رأى آخرون أنه لم يكن سوى تعديل داخل “الحركة الوطنية للحماية والاستعادة”، وهي لجنة عسكرية تحكم بوركينا فاسو منذ انقلاب يناير 2022.
الزعيم الجديد للبلاد، ورئيس الحركة العسكرية الحاكمة، هو نقيب شاب يدعى إبراهيم تراوري (34 عامًا)، كان في مقدمة صفوف الضباط الشباب الذين قادوا انقلاب يناير الماضي، واختاروا العقيد بول هنري داميبا لقيادة ما سموه “عملية التصحيح وإعادة السلام لبوركينا فاسو”.
ينحدر تراوري من محافظة موهوم، شمال غرب العاصمة واغادوغو، بدأ مساره الدراسي هناك، قبل أن ينتقل إلى “بوبو دياليسو”، ثاني أكبر مدينة في البلاد والعاصمة الاقتصادية، ليحصل فيها على شهادة الباكالوريا عام 2006.
درس تراوري في جامعة جوزيف كي زيربو، في العاصمة واغادوغو، إلا أنه سرعان ما قرر الالتحاق بالجيش عام 2010، لينال ترقيته الأولى إلى رتبة ملازم ثاني، عام 2012.
كان حينها نظام الرئيس السابق بليز كومباوري يعيش سنواته الأخيرة، والصراع محتدم بين قوات الحرس الرئاسي الخاص القوية، وبقية القوات المسلحة التي تحس بالتهميش والإهمال، فيما بدأ تنظيم القاعدة التحرك في دولة مالي المجاورة، وارتسمت ملامح مشهد جديد في شبه المنطقة.
خلال تلك الفترة كان النقيب إبراهيم تراوري يعمل في المنطقة العسكرية الأولى بمدينة (كايا)، ورغم أن تراوري ليست له خلفية عسكرية، ولا أي تكوين أكاديمي عسكري، إلا أنه تقدم سريعًا في الرتب العسكرية، ليحصل على رتبة ملازم عام 2014.
بعد مشاركته في عملية أوتابوانو أو (سحب النار)، التي أطلقها الجيش عام 2019، في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية ضد المجموعات المسلحة، تمت ترقية تراوري إلى رتبة نقيب عام 2020.
النقيب الذي يوصف من قبل زملائه بأنه قريب من رجاله، شارك في الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المدني المنتخب روش مارك كابوري، وكان محل تأييد شعبي عسكري، خصوصا أنه جاء وسط غضب عناصر الجيش من ظروفهم المعيشية والمادية، وعدم رضى البوركينيين من إدارة الرئيس للأزمة الأمنية التي تعيشها البلاد منذ 2015.
بعد وضع داميبا يده على مفاصل الحكم، بدأ سلسلة تعيينات وتغييرات في جميع الأجهزة العسكرية، ليعين النقيب الشاب مارس الماضي، قائدا لسلاح المدفعية في (كايا)، المدينة التي خدم فيها طيلة ما يناهز 10 سنوات.
يوم أمس غادر النقيب تراوري مدينة (كايا)، وسيطر على الحكم في العاصمة، معلنًا بذلك انتصاره لعناصر الجيش الغاضبة من إدارة العقيد داميبا للحرب ضد القاعدة وداعش، وتصاعد وتيرة الهجمات وارتفاع عدد الضحايا المدنيين، ولكن الحقيقة هي أن الحركة العسكرية التي تحكم البلاد ترى أن العقيد داميبا غير خططه وخرج على الاتفاق، فهل سينجح النقيب الشاب فيما فشل فيه العقيد؟