قبل افتتاح المدارس بأيام معدودة، كان بزيد ولد التراد مترددًا، فهو لم يحسم قراره بخصوص تسجيل ابنه في مدرسة خاصة أم التوجه إلى المدارس العمومية، إنه محشور ما بين ارتفاع الأسعار وضعف جودة التعليم.
ولد التراد يعملُ تاجرًا في سوق الملابس بنواكشوط، قال في حديث مع “صحراء ميديا” إن رسوم التسجيل في مدارس التعليم الخصوصي زادت بنسبة 15 في المائة، في العديد من أحياء العاصمة نواكشوط.
مع بداية كل موسم دراسي، يتجدد الجدل حول ارتفاع أسعار التعلم الخاص، الذي تفضله الأسر الموريتانية لتدريس أبنائها فيه، بسبب تراجع ثقتهم في التعليم العمومي.
طرق ولد التراد أبواب عشرات المدارس الخاصة في المنطقة التي يقطن فيها، باحثا عن مدرسة يسجل فيها ابنه بسعر معقول يتماشى مع دخله الشهري، ومع مرور الوقت بدأ يفكر جديا في التوجه بابنه إلى إحدى المدارس العمومية، فالأسعار “لا تطاق”، حسب وصفه.
يقول ولد التراد إن “المدارس الخاصة زادت رسوم التسجيل خلال هذا الموسم دون سابق إنذار، وهو إجراء عودتنا عليه مع بداية كل موسم دراسي جديد”.
وأضاف ولد التراد أن “البسطاء لم يعد بإمكانهم تدريس أبنائهم جراء ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية ورسوم التسجيل”.
ومع اقتراب موعد الافتتاح المدرسي تزداد حيرة ولد التراد، ويقول: “أسعار التعليم الخاص غالية، والمدارس العمومية لا أثق فيها، لأنها تتسم بالفوضوية”.
غلاء مستفحل
“صحراء ميديا” تجولت في العديد من المدارس الخاصة، لاستطلاع أسعار رسوم التسجيل، ولاحظ موفد “صحراء ميديا” زيادة هذه الأسعار في معظم المدارس التي زارها، لكن هذه الزيادة تختلف بحسب المنطقة التي توجد فيها هذه المدرسة.
في مقاطعة تفرغ زينة تتراوح رسوم التسجيل بالنسبة لطلاب الباكالوريا ما بين 65 ألف أوقية و100 ألف أوقية قديمة شهريًا، بزيادة وصلت في بعض الأحيان إلى ما يقارب نسبة 20 في المائة.
أما في مقاطعة عرفات فوصلت الرسوم بالنسبة لنفس الفئة من الطلاب إلى 30 ألف أوقية شهريًا، بالنسبة للعديد من المدارس الخاصة.
وفيما يخص المدارس الابتدائية فقد وصلت الرسوم الشهرية للتسجيل في المدارس الخاصة إلى 25 ألف أوقية قديمة في مقاطعة تفرغ زينة، بينما تراوحت في مقاطعة عرفات ما بين 10 و15 ألف أوقية قديمة.
وبررت إدارة واحدة من المداس الخاصة هذا الارتفاع، بما قالت إنه “زيادة المدرسين هذا العام سعر ساعة التدريس”.
في المقابل، قال أحد المسؤولين في إحدى المدارس الخاصة فضل عدم ذكر اسمه: “اضطررنا لزيادة رسوم التسجيل هذا العام، لأن المدرس زاد سعر ساعة التدريس، كما ارتفع سعر إيجار مقر المدرسة”.
غياب الرقابة
النقابة الموريتانية للمستثمرين في التعليم الخاص، قالت في حديث مع “صحراء ميديا” إنها على علم بزيادة رسوم التسجيل في المدارس الخاصة.
وبرر الأمين عام للنقابة اميي ولد محمد لحبيب عبد الودود، هذه الزيادة بما قال إنه “غلاء المعيشة خلال الأشهر الماضية، ما جعل المدارس بدورها ترفع رسوم التسجيل”.
وأضاف ولد محمد الحبيب أن “المدرس والمستثمر في التعليم الخاص تأثرا من زيادة الأسعار، فتكاليف المعيشة هذه الأيام لا تتمشى مع دخلهم إن بقي على ما كان عليه في السنة الماضية”.
من جهة أخرى، عاد ولد محمد لحبيب ليوضح أن سبب الفوضى في أسعار رسوم التسجيل هو “غياب قوانين تحدد رسوم التسجيل، وتضع حدا لفوضوية السعر”.
وأضاف: “رسوم التسجيل لا تخضع لأي نوع من الرقابة والمعايير الواضحة”.
وأوضح في السياق ذاته أن “القوانين المنظمة للتعليم الخاص تعود إلى عام 1982، ومنذ ذلك التاريخ لم يجر أي تعديل على القانون”.
وقال إن النقابة الموريتانية للمستثمرين في التعليم الخاص “تطالب بتوحيد رسوم التسجيل، وتعديل القانون، حتى نضع حدا لفوضى هذا القطاع”، منوهًا بأن إصلاح التعليم الخاص “لن يتم إلا بتعاون ثلاث جهات هي: المدرسة؛ المستفيد؛ وزارة التهذيب الوطني وإصلاح التعليم”.
وخلص الأمين العام للنقابة إلى أن “غياب الوزارة الوصية، وتخليها عن دورها الرقابي، ساهم في تكريس فوضى رسوم التسجيل”.
الإصلاح الحكومي
في الوقت الذي ترفع فيه المدارس الخاصة رسوم التسجيل، أطلقت الحكومة الموريتانية خطة لإصلاح التعليم تتضمن رد الاعتبار للمدرسة العمومية وتحسين جودة التعليم فيها.
وأعلنت الحكومة حصر تدريس السنة أولى ابتدائية في المدارس العمومية، ابتداء من هذه السنة الدراسية الجديدة، خطوة قال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إنها لا تعني مطلقا تحجيما للتعليم الخاص.
ورصدت الحكومة لمشروع المدرسة الجمهورية 40 مليار أوقية قديمة منذ عام 2019، وذلك في مجال توسيع الولوج ورفع الطاقة الاستيعابية للمؤسسات.
بزيد ولد التراد، تابع هذه الأخبار من محل بيع الملابس في سوق العاصمة، وهو يأمل أن يكون حصر تعليم السنة أولى ابتدائية في المدارس العمومية بداية “إصلاح حقيقي” تحتكر فيه الدولة التعليم الابتدائي وإنهاء “جشع” المدارس الخاصة.