وصل التشاور الذي تقوده وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية، اليوم الجمعة، إلى أنفاسه الأخيرة لينهي أكثر من عامين من التحضير لتشاور يُراد له أن يفضي إلى انتخابات “هادئة”، وتفادي سيناريو رئاسيات 2019 التي أعقبتها أعمال عنف وصدامات دامية.
بدأ “التشاور” محصورًا بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، ثم توسّع ليشمل جميع الأطراف السياسية وتحت إشراف رئاسة الجمهورية، ممثلة في الوزير الأمين العام للرئاسة السابق يحيى ولد أحمد الوقف، لينتهي هذه الأيام في أروقة وزارة الداخلية يديره “الوزير القوي” محمد أحمد ولد محمد الأمين.
وفي كل مرحلة ظلت تتقلص مواضيع التشاور، الذي بدأ شاملا ومن دون أي خطوط حمراء، قبل أن ينتهي بملف وحيد هو “التحضير التشاركي والتوافقي” للانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية المقبلة، أي أنه “تشاور سياسي” صِرف، أزيحت منه مواضيع حقوق الإنسان والمجتمع المدني والحكم الرشيد، مثار خلافات جوهرية بين المتشاورين.
ومع ذلك واجهت وزارة الداخلية صعوبات كبيرة في تسيير التناقضات داخل الطيف السياسي، خاصة حين توصلت بمقترحات الأحزاب لتحسين وتطوير العملية الانتخابية في البلد، التي أثارت الخلاف بين الأحزاب الـ 24 المشاركين في التشاور.
اجتماع الحسم
تمحور الخلاف بين المتشاورين حول “النسبية” التي تطالب أغلبية الأحزاب باعتمادها بشكل مطلق في الانتخابات التشريعية، بعد أن كانت مقصورة على عدد معين من اللوائح الانتخابية.
ومن شأن اعتماد النسبية أن يزيد حظوظ الأحزاب الصغيرة على المنافسة ودخول البرلمان، وسيكون ذلك على حساب الأحزاب الأكثر قوة، وبالتالي كان حزب الإنصاف الحاكم في مقدمة المتحفظين على مقترح اعتماد النسبية، ودعمته أحزاب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) واتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية المعارضة.
وعقدت الوزارة اجتماعًا مطولًا مع الأحزاب، أمس الخميس، دون التوصل إلى نتيجة بخصوص نقطة النسبية، فيما قال مصدر من داخل الاجتماع لـ “صحراء ميديا” إن الاجتماع “كان مثمرًا، إذ مكن من تجاوز الكثير من النقاط العالقة، ولم يبق سوى بعض العراقيل البسيطة حول اعتماد النسبية، ولائحة العاصمة نواكشوط”.
وأضاف المصدر الذي فضّل حجب هويته: “مساء اليوم الجمعة، يتوقع أن يحسم كل شيء، وأن توقع الأحزاب على وثيقة اتفاق نهائي، يفصل آلية تنظيم الانتخابات المقبلة”، مشيرًا إلى أن وزارة الداخلية ستصدر بعد ذلك بيانًا صحفيًا تشرح فيه المراحل التي مرَّ بها التشاور مع الأحزاب، والنتائج التي أسفر عنها.
في غضون ذلك، رجحت مصادر خاصة لـ “صحراء ميديا” أن الاتفاق النهائي الذي ستسفر عنه اجتماعات الداخلية مع الأحزاب السياسية، سيكون قريبًا من وجهة نظر حزب الإنصاف الحاكم، الذي رمى بثقله السياسي من أجل الضغط على الأحزاب المشاركة في التشاور.
وأضافت ذات المصادر أن الحزب الحاكم استفاد من دعم بعض أحزاب المعارضة الوازنة في الساحة.
نقاشٌ معلق
مصدرٌ آخر من داخل الاجتماع، قال لـ “صحراء ميديا” إن اجتماع الخميس كان مجرد مداخلات لعرض آراء الأحزاب السياسية، بعد عرض قدمه وزير الداخلية حول المراحل التي وصل إليها التشاور.
وبحسب العروض التي قدمت فإن هنالك اتفاقًا واضحا حول تعجيل الانتخابات، وتحيين اللائحة الانتخابية، بالإضافة إلى أزمة بطاقة التعريف، إذ أن نصف مليون موريتاني يجب أن تكون لديهم بطاقات تعريف جديدة، بسبب انتهاء فترة صلاحية بطاقاتهم.
واتفق المشاركون في التشاور على حل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وتشكيل لجنة جديدة، مع الاحتفاظ بالقانون المشكل لها، إذ أن الوقت لم يعد يسمح بتعديله، ولكن حصل الاتفاق على تعديل آليات اختيار الحُكماء، دون تغيير عددهم ولا مدة مأموريتهم.
من جهة أخرى، قال المصدر إن الخلاف بين المتشاورين تركز حول اعتماد النسبية ولائحة نواكشوط الجهوية والتصويت على نواب الخارج.
وبخصوص اعتماد النسبية في الانتخابات التشريعية، قال المصدر إن أغلب الأحزاب طالبت باعتماد النسبية خلال اجتماع الخميس، فيما أبدى حزب تواصل تحفظه، بالإضافة إلى حزب الإنصاف الحاكم الذي أبدى رفضه، ولكنه أكد في الوقت ذاته أنه “لن يكون عائقًا أمام ما تتفق عليه الأحزاب”.
أما لائحة نواكشوط فكانت هي الأخرى حاضرة في النقاش، إذ طالب أغلب الأحزاب بأن تكون لائحة واحدة مع زيادة عدد النواب فيها، فيما طالبت أحزاب قليلة اعتماد عدة لوائح في نواكشوط.
وأضاف المصدر أن وزير الداخلية قرر تعليق الجلسة حتى مساء الجمعة/السبت، الساعة التاسعة والنصف، دون أن يدلي بأي تعليق حول النقاش الذي استمر لأكثر من عشر ساعات متواصلة.
وخلص المصدر إلى التأكيد على أن العديد من النقاط لم تطرح بعد للنقاش، من ضمنها تمثيل النساء والشباب في البرلمان، خاصة وأن أحزابا من ضمنها حزب “الحوار” طالبت باعتماد لائحة خاصة بالشباب، وهو المقترح الذي يحظى بدعم أغلب الأحزاب المشاركة في التشاور.