أسفر اجتماع مطوَّل عقده الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، قبل أيام، مع مولاي ولد محمد لقظف، عن تعيين الأخير وزيرًا أمينًا عامًا لرئاسة الجمهورية، المنصب الذي يوازي في تقاليد الحكم الموريتانية منصب الوزير الأول.
السياسيون والمتابعون في موريتانيا توقفوا عند عودة ولد محمد لقظف إلى صدارة العمل الحكومي، والتوقيت الذي اختاره فيه ولد الغزواني، والمهمة التي أسندت إليه قبل عام من الانتخابات المحلية والتشريعية، وعامين من الانتخابات الرئاسية.
أغلبُ المعلقين يعتبرون تعيين ولد محمد لقظف ذا دلالة سياسية بالدرجة الأولى، بل إن أستاذا جامعيًا رأى في تعيينه “عودة للجناح الهادئ”، في إشارة ضمنية إلى إبعاد جناح آخر تسبب في تصدع مشروع التهدئة، إنه جناح يمثله يحيى ولد أحمد الوقف الذي أسندت له حقيبة “الزراعة”.
وبحسب أصحاب هذا الرأي فإن مشروع التهدئة الذي قام عليه برنامج ولد الغزواني الانتخابي، كان يحتاج رجلا “هادئًا” مثل ولد محمد لقظف، يحظى باحترام مختلف الأطراف، ولديه قدرة على إعادة ملف “التشاور الوطني” إلى الطاولة من جديد، رغم التحديات التي تقف في وجه ذلك.
الخيميائي
ولد محمد لقظف (65 عاما) ينحدرُ من منطقة “كوش” في أقصى الشرق الموريتاني، درس التعدين والهندسة الكيماوية، خريج مدرسة المحمدية للمهندسين في المغرب عام 1984، ليواصل دراسته في بروكسيل حيث حصل عام 1990 على ماستر في التسيير من مدرسة الدراسات التجارية العليا، ثم شهادة الدكتوراه في العلوم المطبقة.
بعد نيله شهادة الدكتوراه، وتحديدا في عام 1991 عملَ ولد محمد لقظف خبيرا بمركز التنمية الصناعية لدول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ والاتحاد الأوربي، ثم مكلفا بتثمين الموارد المعدنية في نفس المركز عام 1997.
عاد إلى موريتانيا نهاية الألفية الماضية، ليتولى في الفترة من 2000 وحتى 2006 منسقًا لمشروع التنمية المندمجة للحوض الشرقي، الممول من طرف التعاون البلجيكي، وعين في نفس العام سفيرا في بروكسيل والاتحاد الأوروبي.
خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت انقلاب 2005، ارتبط ولد محمد لقظف بالمعارضة، وخاصة حزب تكتل القوى الديمقراطية، وكان يوصف آنذاك بأنه يمثل “الكفاءة المهاجرة”.
حين قاد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الانقلاب العسكري عام 2008، بدعم وتحالف مع حزب التكتل، صعد ولد محمد لقظف إلى الصدارة وزيرا أولا، ليدير مرحلة انتقالية كانت صعبة وصاخبة انتهت باتفاق سياسي في دكار عام 2009.
شغل ولد محمد لقظف منصب الوزير الأول لأكثر من ست سنوات، في الفترة من 2008 وحتى 2014، وهي أطولُ مدة يقضيها وزير أول في منصبه منذ الاستقلال.
قاد الرجلُ العملَ الحكومي خلال ست سنوات مثيرة من حكم الرئيس السابق، بما تضمنته من حوارات عاصفة مع المعارضة، ومواجهة تداعيات “الربيع العربي”، والأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى إصابة الرئيس بطلق ناري مثير للجدل نهاية 2013.
عينٌ على القصر
خرج ولد محمد لقظف من الوزارة الأولى بشبكة علاقات قوية، ولكنه -في المقابل- دخل في صراع مع خليفته يحيى ولد حدمين، الذي وجه له ضربات دفعته إلى الابتعاد عن الواجهة السياسية.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية 2019، بدأ يطرح اسمه كمرشح محتمل، وقدمه البعض كمرشح توافقي يحظى بثقة الرئيس السابق وجناح واسع من أغلبيته، وليس محل اعتراض من طرف المؤسسة العسكرية.
ولكن بروز اسم ولد الغزواني كمرشح للرئاسة، دفع الرجل إلى عقد مؤتمر صحفي أعلن فيه عدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، إلا أن بعض المصادر قالت إنه لم يلغي الفكرة، وإنما أجّلها، مشيرة إلى أنه كان حتى تعيينه الأخير، يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة (2024).
وحين وافق ولد محمد لقظف على دخول الفريق الحكومي، والعمل في القصر إلى جانب ولد الغزواني، ربما يلغي فكرة الترشح للرئاسيات، ولو مؤقتًا كما حدث في عام 2019، فعينه ما تزالُ على القصر وإن من الداخل هذه المرة.
في المقابل، سيأخذ ولد محمد لقظف موقعه داخل القصر الرئاسي بصفته “رجل الأغلبية وصديق المعارضة”، أي أنه الرجل الذي يمكنه إدارة ملف التهدئة السياسية، خاصة بعد ارتفاع حدة خطاب المعارضة مؤخرًا، ودخول البلاد في أجواء الحملة الانتخابية.