تمضي الأيام منذ إجراء امتحانات شهادة الباكالوريا، ويقترب موعد إعلان النتائج، فيما يجافي النوم فاطمة بنت الصادق، فهذه الشهادة تطاردها في أحلامها وكوابيسها، وتعاني من أرق مستمر بسبب التوتر والقلق، على غرار مئات الطلاب الموريتانيين كل عام.
الشعور بالضغط النفسي يلازم الكثير من طلاب الباكالوريا في موريتانيا، منذ أن تحولت هذا الامتحان إلى “بوابة” يتوجب العبور منها لتحقيق أحلام الدراسة الجامعية والحياة المهنية، وربط كثيرون الفشل فيها بالفشل في الحياة عمومًا.
التفكير في “الفشل” يستحوذ على عقل فاطمة، فهاجسها أنها لا تتمكن من أن تكون ضمن قائمة الناجحين لهذا العام، غير واثقة من إجاباتها في الامتحان، وترى في الباكالوريا حاجزًا سيمنعها من تحقيق أحلامها.
تقول فاطمة: “أنام بمعدل أربع ساعات يوميًا، فكلما آويت إلى فراشي تبدأ هواجس الفشل تداهمني وتشغل تفكيري”.
بل إن الطالبة تقول إنها لم تعد تشعر بالراحة النفسية وترفض الخروج مع صديقاتها، فكلما همت بالخروج من المنزل تذكرت الباكالوريا وانقبضت نفسها.
هذا الضغط النفسي انعكس على صحتها، فأصبحت معظم الوقت شاحبة الوجه، لا ترغب في الحديث، وترفض الاستفادة من عطلتها الصيفية.
ليست فاطمة وحدها من تعاني نفسيا جراء خوض تجربة الباكالوريا، فالأضرار النفسية قد تتضاعف، كما حصل مع مصطفى ولد الغريب الذي شارك في امتحانات الباكالوريا أربع مرات، لتطارده “لعنة” الفشل ويوصم بها من طرف محيطه الاجتماعي.
يعتبر مصطفى أن المجتمع يربط النجاح في الحياة بالحصول على شهادة الباكالوريا، ويضيف: “إنه يعتبر أنها مفتاح أي مستقبل زاهر”.
يضيف مصطفى أنه تعرض لضغوط وحملات تنمر جراء فشله في تحصيل شهادة الباكالوريا، ما ولد عنده الشعور بـ”النقص”، وصار يتفادى الجلوس مع أهله أو أصدقائه.
ويقول في حديث لـ”صحراء ميديا”: “بسبب الباكالوريا أصبحت أتفادى الاحتكاك بالأقارب أو النقاش معهم. جربت عدة مرات التكيف مع واقعي عندما فشلت في المحاولة الأولى تجاوز الباكالوريا، لكن ي أحبطت وتقبلت فكرة أن لا حياة إلا مع تجاوز عتبة الباكالوريا، هو تذكرتي لإسكات كل من يتنمر علي أو يضايقني”.
يعتقد ولد الغريب أن هذه الضغوطات التي يتعرض لها الطالب، تشعره بخوض “حرب” ضد عدو هو الباكالوريا الذي يوليه الموريتانيون أهمية كبيرة.
ضغط مستمر
العديد من الطلاب يعانون من هذا الضغط النفسي طيلة العام الدراسي، ومنهم من تظهر عليه آثار الضغط النفسي مع اقتراب موعد الامتحان، حتى أن من الطلاب من ينهار أيام الامتحان.
تربه بنت الحافظ تتذكر حين سقطت مغشيًا عليها داخل قاعة الامتحان، ولم تستيقظ إلا وهي على الفراش في البيت، دون أن تتمكن من إكمال الامتحان.
تقول تربه: “اضطرت لعدم إكمال الامتحان، شعرت بإرهاق وتعب جراء الضغط النفسي الهائل الذي صاحبني طيلة السنة الدراسية”.
حصلت تربة على شهادة الباكالوريا في العام الموالي، لتكمل دراستها العليا في جامعة نواكشوط العصرية، تجربة تقول إنها تعلمت منها الكثير لكنها في الوقت نفسه كانت ضغطا نفسيا هائلا.
وتتابع في حديثها مع “صحراء ميديا”: “رغم مرور ثلاث سنوات على تلك التجربة، إلا أنني في كل مرة تنطلق فيها امتحانات الباكالوريا أشعر برعب مع أنني تجاوزت هذه المرحلة.. أشعر بكل طالب أو طالبة أحس بهم وبمعاناتهم وكفاحهم من أجل النجاح”.
التفسير الطبي
قلق الطلاب جراء امتحانات الباكالوريا له تفسيرات عدة عند الأطباء النفسيين، وحاولنا فهمه مع الشيخ محمد فاضل اكوهي طبيب اختصاصي في الاضطرابات النفسية للطفل والمراهق وكبار السن وعلاج الإدمان.
يقول الأخصائي النفسي إن “هذا القلق لا يشير بالضرورة إلى وجود عارض نفسي أو اضطراب نفسي عند الطالب، إذ أن القلق أثناء فترة الامتحانات طبيعي، لأن له ما يبرره، لكن يجب أن لا يتجاوز وقته ولا نسبته المقبولة”.
ويقسم الشيخ محمد فاضل في حديثه لـ”صحراء ميديا”، القلق إلى قسمين، “القلق الإيجابي والمحفز، الذي يجعل الطالب يحضر جيدا للامتحانات ويزيد من الجهد المبذول أثناء فترة الدراسة، وقلق سلبي يعطل صاحبه ويمنعه من التقدم أو الدراسة بحيث تتحكم الفكرة القلقة السلبية في طريقة تفكير صاحبها”.
ويوضح الدكتور أن القلق السلبي “يجعل اليأس يتمكن من الطالب، وتسود فكرة أنه لن ينجح مهما فعل وهنا لا فائدة من التحضير، وهو نوع من القلق المرضي والخطير، وله انعكاسات سيئة جدا على مزاج الإنسان وعلى سلوكه وعلى مردوديته”.
عدة عوامل قد تؤثر على الطالب أثناء فترة الامتحان، منها بحسب اكوهي، أن يكون لدى الطالب اضطراب قلقي غير مشخص مثل “اضطراب الوسواس القهري أو اضطراب القلق المعمم”، ويضيف أن الطالب الذي لديه اضطراب في الشخصية عرضة كذلك للإصابة بـ “القلق المرضي”.
ومن بين الآثار النفسية التي يمكن أن تظهر عند الطالب، بعد ظهور النتائج خاصة إذا لم يوفق في النجاح، “اضطراب ما بعد الصدمة، أو اضطراب الاكتئاب”، وبحسب الدكتور فإن صاحبها يحتاج إلى مواكبة طبيب نفسي حتى يتعالج منه.
نصائح للطلاب
لمواجهة هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر في أوساط طلاب الباكالوريا في السنوات الأخيرة، يرى الاختصاصي النفسي أن على الجهات الوصية أن توفر مناخا عاما جيدا للطالب أثناء فترة الامتحان حتى يحافظ على تركيزه ولا تزيد عليه الضغوط.
كما دعا الأساتذة أن يتعاملوا بشكل مرن مع الطلاب عند الحديث عن الامتحانات وعن النجاح وعن الرسوب حتى يساعدوا الطلاب في الإبقاء على نفسيتهم صلبة.
وأضاف أن الأسرة تلعب دورا محوريا في حياة الطالب، فهي الحاضنة والمحفزة له، وبالتالي يؤكد على أهمية أن يخفف أولياء الأمور الضغط على أبنائهم، لأن له انعكاسات سلبية في معاملتهم له، وفق تعبيره
وفي الأخير حث الطالب على الدراسة والتحضير الجيد لكن “عليه أن يعرف أن مستواه في النهاية لا تحدده مسابقة أو امتحان والأمر في النهاية قدر”.