بالقرب من إحدى المدارس الحرة بمدينة نواكشوط، يزدحم عشرات الطلاب أمام وراقة، ينتظرون دورهم للحصول على وثائق خاصة تساعدهم في النجاح في امتحانات الباكالوريا، إنها ليست أسئلة مسربة ولا مواضيع متوقعة، وإنما هي مختصرات للدروس يطلقون عليها “المفخخات”، لأنها قنابل تمكنُ الطلاب من تجاوز الرقابة للغش في مواد مهمة.
يعملُ أصحاب الوراقات على طباعة الدروس في مطويات صغيرة الحجم، ويبيعونها بأسعار في متناول الجميع، ويكون الإقبال عليها كبيرًا قبيل الامتحان بأيام، حين يصبح الوقت غير كاف للمراجعة والتحضير الجيد.
تباع هذه “المفخخات” بشكل علني، وتتداول على نطاق واسع، رغم وجود قوانين صريحة تعاقب على الترويج للاختلاس والغش.
حين دخلتُ الوراقة، كان الطلاب يتناقشون فيما بينهم عن المواضيع المرشحة في الامتحانات، بينما كان عمال الوراقة عاكفون على تحضير “المفخخات”، يسحبونها بخط صغير جدا في ورقة كبيرة، ثم يستخدمون مقصا في تقطيعها وتجميعها، على شكل كتيب شديد الصغر، يمكن إخفاؤه في قبضة اليد الواحدة.
تقدمتُ إلى صاحب الوراقة، منتحلا صفة طالب يرغب في شراء “قنبلة”، سألته عن الأسعار فأجاب وهو منهمك في عد نقود استلمها من أحد الطلاب، قال إن المواد الموجودة عنده حتى الآن خاصة بشعب الآداب العصرية والأصلية، وبأن سعر “المفخخة” الواحدة يصل إلى 1500 أوقية قديمة، ولكنها تحتوي على كافة مقالات المادة.
أثار السعر غضب أحد الطلاب في الوراقة، فاحتج عليه قائلًا إن الوراقة تستغل اقتراب الامتحان لرفع الأسعار على الطلاب، وأضاف: “يجب عليكم أن تتعاطفوا معنا، فنحن طلاب لا دخل لنا”.
بدا الطالب واثقا من كلامه، دون أن يحس بأي نوع من الحرج، فقد كان متأكدًا من أنه لا سبيل للنجاح في الباكالوريا إلا بالاختلاس، وقناعته تامة بأن هذه “المفخخة” هي التذكرة التي ستمكنه من ولوج الجامعة.
كان صاحب الوراقة يتجاهل حديث الطالب، فالضغط عليه كبير والإقبال كثيف، ولا وقت لديه للنقاش، وبدا واضحا أنه غير مستعد لتخفيض السعر، فهذه فرصته التي لا تعوض للربح، في وقت أصبح “الغش” وسيلة كثيرين لتجاوز عقبة الباكالوريا.
لم يعد بيع هذه المنشورات صغيرة الحجم متوقفا على الوراقات، فقد أصبحت تباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك الأكثر استخداما في موريتانيا، وظهرت صفحات وحسابات تروج لها بشكل صريح وعلني.
أجريتُ اتصالات هاتفية مع شاب يروج لهذه “المفخخات” عبر الفيسبوك، اكتشفتُ أنه صاحب كشك وسط نواكشوط، رد علي بأن الكمية محدودة ويتوجب علي اقتناء المواد التي احتاجها قبل نفادها، كان في ذلك دعاية واضحة.
من الواضح أن الشاب حين روج لبضاعته عبر الفيسبوك، كان غير مدرك لأي مخاطر تترتب على ذلك، كما أن لديه قناعة راسخة بأنه لا رقيب أو سلطة ستحاسبه أو تعاقبه.
وزارة التهذيب الوطني وإصلاح التعليم أعلنت حزمة من الإجراءات تهدف إلى الحد من الغش في الباكالوريا، من بينها منع التجمهر عند مراكز الامتحان، ومنع دخول الهاتف إلى الأقسام.
وتصل عقوبة من يضبط عنده هاتف داخل قاعة الامتحان الحرمان من المشاركة في الباكالوريا لمدة عامين، وهي عقوبة تعتقد وزارة التهذيب الوطني أنها رادعة ضد إدخال الهاتف إلى الامتحان.
وطلبت الوزارة من رؤساء المركز بموافاة إدارة الامتحانات يوميا بأسماء وأرقام التلاميذ الذين ضبطت بحوزتهم هواتف داخل القاعات للقيام بما يلزم.
تبذل الوزارة جهدًا كبيرًا في مواجهة “الغش الإلكتروني” فتبالغ في التفتيش بحثا عن الهواتف، وتقطع الأنترنت عن البلد أوقات الامتحان، ولكنها تتهاون في مواجهة “الغش التقليدي” الذي يقبل عليه كثير من الطلاب.
كما أن المراقبين حين يضبطون “مفخخات” بحوزة أحد الطلاب في قاعة الامتحان، قد يكتفون بسحب الورقة ومنح الطالب ورقة جديدة لاستئناف الامتحان، وهي عقوبة مخففة جدا بالمقارنة مع الطرد والمنع من الامتحان لعامين حين يعثرون على هاتف بحوزته.
على سبيل المثال، في العام الماضي نشرت الوزارة أسماء قرابة 700 طالب طردوا من قاعات بعد ضبطهم يستخدمون هواتف، فيما لم يطرد أي طالب بسبب “المفخخات”.