قبل سنتين قرر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني فتح منطقة الشكات، على الحدود مع الجزائر، أمام المنقبين عن الذهب، بعد أن ظلت لسنوات عديدة منطقة عسكرية مغلقة تدور فيها مطاردات شبه يومية بين الجيش وشبكات التهريب.
دخل أكثر من عشرين ألف منقب أهلي عن الذهب إلى منطقة “الشكات”، وهم يطاردون شائعة وفرة الذهب في سهول منطقة كانت شاهدة على تاريخ طويل من التقلبات السياسية والأمنية، فما هي قصة “الشكات” التي قفزت خلال الأيام الأخيرة إلى واجهة الأحداث؟
يطلق اسم “الشكات” على سهول ممتدة في المثلث الحدودي بين موريتانيا والجزائر ومالي، تحف هذه السهول مرتفعات صخرية، وعرة جدًا ولكنها توفر إطلالة استراتيجية على الأودية الممتدة في تيرس.
في الشكات واحات قديمة، لا توجد أي معلومات عن تاريخها، والراجح أنها كانت محطة لقوافل التجار التي تتحرك في الصحراء الكبرى، لتربط ما بين مدن شمال أفريقيا وبلاد السودان، خاصة وأن بقايا بعض سباخ الملح تنتشر في أودية الشكات.
اكتشف الفرنسيون منطقة الشكات مع بداية القرن العشرين، فشيدوا فيها حامية عسكرية بهدف مراقبة وقطع خطوط إمداد السلاح حركات المقاومة في الجزائر والمغرب والصحراء الكبرى بشكل عام.
كانت الحامية الفرنسية تقع على مرتفع، محتمية بالهضبة، بالقرب منها نبعُ مياه في إحدى الواحات، نفس الحامية تتبع اليوم للجيش الموريتاني الذي استولى عليها بعد الاستقلال، ومنها خاض الجيش حرب الصحراء ضد مقاتلي جبهة البوليساريو خلال سبعينيات القرن الماضي.
حرب التهريب
بعد نهاية حرب الصحراء، عادت حامية الشكات إلى النسيان، فهي بعيدة جدًا من دائرة الأحداث، وذلك ما جعلها محط أنظار شبكات التهريب التي بدأت تعيد اكتشاف طرقها ومسالكها، بعيدا عن أعين الجيش الموريتاني المنشغل آنذاك بالعمل السياسي.
وجود منطقة الشكات في مثلث استراتيجي ما بين موريتانيا ومالي والنيجر، في عمق الصحراء الكبرى غير بعيد من شواطئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، كل ذلك جعل منها مكانًا مناسبًا لتهريب المخدرات، بل إن تقارير تحدثت عن استخدام المنطقة لتخزين المخدرات القادمة من أمريكا الجنوبية، قبل نقلها نحو أوروبا وإسرائيل.
وتتحدثُ تقارير أخرى عن استخدام المهربين لمدرجٍ “طبيعي” على هضبة الشكات، تهبط عليه بعض طائرات الشحن الصغيرة، وهو المدرج الذي سيطر عليه الجيش الموريتاني، وأصبح يستخدمُ من طرف الموريتانيين في عمليات عسكرية لتأمين المنطقة.
يُعتقد أيضًا أن منطقة الشكات هي التي عبر منها مقاتلو “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية، عام 2005 لتنفيذ هجوم على حامية الجيش الموريتاني في لمغيطي، قبل أن تتوالى الهجمات فيما بعد ضد مواقع الجيش في الغلاوية وتورين، ليخوض الجيش الموريتاني حربا شرسة ضد المهربين ومقاتلي القاعدة، كانت الشكات حاضرة في أغلب تفاصيلها.
أعلن الجيش الموريتاني أن الشكات منطقة عسكرية مغلقة عام 2010، وبدأ مطاردة المهربين في أودية الشكات، أسفرت على مدى 12 عامًا عن اعتقال عدد كبير من المهربين ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة.
مواجهة المنقبين
اجتاحت حمى التنقيب عن الذهب موريتانيا نهاية عام 2016، وسرعان ما بدأت الشائعات تسري عن وفرة الذهب في المنطقة العسكرية المغلقة، وخاصة منطقة الشكات، لتبدأ حربٌ أخرى “غير معلنة” يكسر فيها المنقبون الطوق على المنطقة العسكرية المغلقة، سعيا وراء الذهب.
كان الجيش يطلق التحذيرات من دخول المنطقة، معتبرًا أن أي تحرك في المنطقة سيعده تحركًا معاديًا، بسبب وجود شبكات تهريب قد تستغل تحرك المنقبين، ولكن هذه التحذيرات لم تقنع المنقبين، فوقعت مطاردات أسفرت عن مقتل منقبين وتوقيف العشرات ومصادرة معدات التنقيب والسيارات.
في ديسمبر من عام 2020 قرر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إنهاء هذه المطاردات، حين استجاب لطلب المنقبين بفتح مناطق جديدة للتنقيب من ضمنها مناطق تنقيب داخل “الشكات”، فتوجه إليها أكثر من 21 ألف منقب، تحت حراسة الجيش.
ولكن بعد قرابة عامين عاد التصعيد إلى “الشكات” حين منحت الدولة لشركة إماراتية رخصة التنقيب عن الذهب في الشكات، غير بعيد من مناطق التنقيب الأهلي، وهو ما رفضه المنقبون واحتجوا عليه، لتستعيد أودية الشكات سيرتها الأولى من “التصعيد”.