من أقصى الشمال الشرقي للعاصمة نواكشوط، قدمت الفتاة “خديجة” رفقة أمها “تسلم”، ليحضرا مائدة إفطار عند ملتقى طرق «مدريد» نقطة التقاء ولايات نواكشوط الثلاث، فهذه الموائد المفتوحة أصبحت قبلة للكثير من فقراء العاصمة الباحثين عن وجبة إفطار مجانية.
تقول تسلم؛ السيدة الستينية إنها «خرجت من بيتها رفقة ابنتها الصغرى التي أصرت على الصوم لهذا العام» ليؤمنا لنفسيهما إفطارا لم يستطيعا الحصول عليه في البيت.
تبتسم الفتاة البالغة من العمر 15 عامًا، بفخر يشوبه الكثير من الحياء، وتضع رداء على وجهها، حين تحدثت والدتها عن إصرارها على الصوم رغم صغر سنها.
تخفي تسلم بثوبها البالي ولثامها المتقن «حسرة» عبرت عنها حينها نفضت يديها، قائلة «لقد رحل عني والد البيت وخلف لي بنات ونحن نطلب رزقنا في مثل هذه المناسبات».
تشيح السيدة بوجهها عن الكاميرا، مشيرة إلى اكتفائها من حديث أعادته مرات ومرات ولم تجد له نفعا، وفق تعبيرها.
حول تسلم تجمعت سيدات قدمنَ من شتى أحياء نواكشوط؛ للإفطار تحت خيام مفتوحة أمام الجميع، إنه تقليد يمارس في العاصمة منذ سنوات، لكنه انقطع في العامين الأخيرين بسبب جائحة كورونا.
داخل الخيمة المزينة بزركشة مغربية، تحلق رجال في انتظار فطور يومهم الثالث من هذا الشهر الكريم، وهم يقضون الوقت في تصفح هواتفهم، وتارة في طرق مواضيع كثيرة ومتشعبة، تحكي قصة كل فرد منهم.
يحكي محمد عالي كيف أجبرته الظروف على الإفطار في مثل هذه الأمكنة، إنه «قدم من حي الدار البيضاء؛ أقصى جنوبي العاصمة، مشيا على الأقدام لحضور الإفطار».
يقول عالي إنه منذ يومين وهو يبحث عن مكان عام للإفطار، ولم يعثر عليه إلا اليوم، يضيف: «لقد جاءني رمضان هذا العام وأنا معدم فاضطررت للإفطار هنا».
مع اقتراب آذان المغرب، بدأت الخيمة التي نصبت عند ملتقى طرق «مدريد» تكتظ بالوافدين، منهم من دفعته ظروف الحياة إلى هنا ومنهم من يقطن بعيدا عن أماكن عملهم فيجعلون من هذه الخيمة نقطة توقف اضطراري قبل المواصلة نحو بيوتهم.
الخيمة التي نصبتها جمعية «بسمة وأمل» الخيرية، يشرف عليها شاب يدعى نور الدين، يقول إنها تستقبل في اليوم الواحد حوالي ثلاثمائة صائم.
يضيف نور الدين أن هذه الخيمة المعروفة بـ «موائد الرحمن» وجد فيها «الكثير من المواطنين الضعاف ملجأ يقصدونه طيلة أيام الشهر الكريم».
موائد الإفطار الجماعي تشمل التمر والماء والحساء، إضافة إلى مكونات غذائية أخرى، توزع على كل فرد «لضمان تحقيق العدل بين الجميع»، وفق نور الدين.
الحديث الغالب هنا يدور بخصوص ارتفاع الأسعار «كل شيء غلا والوضع لم يعد محتملا» هكذا ترتفع أصوات الحاضرين بالشكوى والتذمر.