أعاد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الثقة في المهندس محمد ولد بلال، وزيرًا أول وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، بعد ساعات من الترقب عاشها الموريتانيون وهم على أعصابهم لمعرفة هوية “الوزير الأول الجديد”، ولكن الرئيس قرر الإبقاء على ولد بلال.
إن قرار الإبقاء على المهندس محمد ولد بلال، وتجديد الثقة فيه، رغم ما سيثيره من زوابع إعلامية، رافقه تغير في الخطاب، فهل نحن أمام نسخة جديدة من المهندس، وانتقال محوري من موقع “منسق” العمل الحكومي، إلى موقع جديد “قريب” من المواطن؟!
يتذكرُ الموريتانيون الضجة التي ثارت حول أول تصريح للمهندس محمد ولد بلال، حين عُين وزيرا أول في أغسطس 2020، وقال آنذاك إنه كُلف بمهمة “تنسيق العمل الحكومي”.
كان ذلك جديدًا على أسماع الموريتانيين، وتنوعت التعليقات عليه، فكان أغلبها تعليقات تنتقد الصفة الجديدة للوزير الأول، في بلد تعود على وزراء أُوَّل هم أقرب إلى كونهم رؤساء حكومات، ويتمتعون بحيز معقول من السلطة والنفوذ، يتنازل عنه الرؤساء لصالحهم.
بالفعل ظل ولد بلال طيلة عشرين شهرًا الماضية، ملتزمًا بالمهمة التي أسندت له، داخل دائرة “منسق العمل الحكومي”، فلم يخرج منها في أي لحظة، يقود اللجان الوزارية الموسعة والمصغرة، ويرفعُ التقارير إلى الرئاسة، دون أن يدخلَ في صراع أجنحة السلطة والنفوذ.
اليوم أطلَّ علينا المهندس بوجه جديد، وبخطاب آخر غير السابق، قال فيه إن الحكومة الجديدة ستكون “قريبة من المواطن”، دون أن يشرح معنى هذا القرب.
ولكن الوزير الأول المُجدد له، ترك في الأذهان إحالة إلى خطاب ولد الغزواني أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، نهاية الأسبوع الماضي.
وهو الخطاب الذي تحدث فيه الرئيس بصراحة كبيرة، وقال إن “الأوان حان لأن نبني إدارة عصرية وفعالة تتمحور حول خدمة المواطن، وتكون رافعة للتطور والنمو، فمن غير المقبول بعد الآن، أن نتابع في مثل هذه التصرفات التي لا تخدم المواطن”.
كانت ردة الفعل على خطاب الرئيس ضعيفة داخل الوزارات والإدارات، إذا ما استثنينا قرارات باهتة من بعض شركات الخدمات (الكهرباء، الماء، وكالة الوثائق المؤمنة)، أما على مستوى الوزارات فلم يتغير شيء، وكأنهم غير معنيين بما جرى.
لقد خرج المهندس من مرحلة “التنسيق” التي كان يراد منها تسريع وتيرة إنجاز مشاريع البنية التحتية المتعثرة، ليدخل دائرة “القرب” التي يبدو أن عنوانها الأبرز تسيير أوضاع استثنائية ناتجة عن تداعيات أزمة غلاء الأسعار التي تضرب العالم، وتتجه نحو التفاقم مستقبلًا.
إن حكومة “القرب” من المواطن ستكون على موعد مع تحديات كبيرة، من أبرزها غلاء الأسعار والمواجهة مع التجار، وتغيير آليات التعامل مع السوق، بل وحتى التفكير في الخروج من منطق السوق الحر، قبل أن تبدأ مشاكل تموين السوق بالمحروقات والمواد الغذائية الأساسية.
التحديات كبيرة في عالم يمر بمأزق حقيقي، فهل ينجح المهندس الهادئ في تجاوز الاختبار “الثاني” له؟