يجلس (إليجي نياتياما) على مقعد خشبي متواضع، وسط سوق “رود ووكو”، أكبر أسواق مدينة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، لقد مر أسبوع على الانقلاب العسكري الذي هز البلاد، ولكن الرجل بدا منشغلا بخياطة قطع من (الليف)، وحين سألناه عن الانقلاب كانت ملامحه تخلط بين مشاعر الفرح والخوف والتوجس من المستقبل.
يقول (نياتيانا) إنه ليلة الانقلاب، استيقظ في وقت مبكر على أصوات طلقات نارية، عند حوالي الساعة الرابعة فجرًا، ويضيف: “أول ما تبادر إلى ذهني، أننا نتعرض لهجوم إرهابي، تساءلت في نفسي: ما الذي يحدث في هذا البلد.. لكنني علمت أنه تمرد للجيش، وتحضير لانقلاب عسكري، كان علينا أن نبقى في المنزل خشية رصاصة طائشة”.
يواصل التاجر الثلاثيني حديثه عن الانقلاب العسكري، ويصفه بأنه تصرف “غير دستوري”، إلا أنه يعود ليقول إن “الانقلاب كان متوقعا، لأن الفساد وانهيار الوضع الأمني وصلا إلى حد لا يمكن السكوت عنه، لكن الرئيس لم يكن يصغي، زيادة على ذلك، منعت الحكومة المظاهرات في وقت كان الشعب متعطشا لإسماع صوته”.
رغم المبررات التي يسردها التاجر الشاب، إلا أنه لا يخفي عدم ثقته في الجيش، ويضيف أن “العسكر والسياسية يشكلان ثنائيا معقدا”، ذلك التخوف يبدو واضحا في أحاديث البوركينيين الذين عاشوا الكثير من الانقلابات العسكرية، بعضها كان داميًا، ويخشون تكرار تجاربهم المريرة السابقة، حين ينتقل قادة الجيش من الثكنات إلى أروقة السياسة.
حل الانقلاب
رغم ذلك، بدت الحياة في واغادوغو طبيعية إلى حد كبير، بعد أسبوع على الإطاحة بالرئيس روش مارك كابوري، بل إن بعض السكان كانوا أقرب إلى الفرح، ولا تخفي ملامحهم الأمل بأن الانقلاب سيغير من الواقع الصعب للبلاد، على غرار (لورو راسماني)، الذي يبيع مستلزمات الهواتف، في محل صغير على أطراف السوق المركزي.
يعلنُ (راسماني) بشكل مبالغ فيه، فرحته بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس (كابوري)، ولكنه مع ذلك لم يخلع صورة الرئيس المعلقة على جدار محله الصغير والمتواضع، مكتفيًا بتجاهلها خلال حديثه معنا، ليقول إن “استيلاء الجيش على السلطة هو الحل، لأن كابوري لم يستطع فعل أي شيء، تتالت الهجمات وكثر القتلى”.
ويضيف الشاب المفعم بالحيوية: “حين علمنا أن الانقلاب وقع، وأن النظام سقط، شعرت بالفخر والسعادة، لأن الوضع كان سيئا في واغادوغو وفي بوركينا فاسو بشكل عام”.
ضعف الرئيس
وسط مشاعر الفرح والقلق التي تنتاب البوركينيين، يعتقد الصحفي الاستقصائي البوركيني (أولو سيرج آتينجا)، أن حكم الرئيس كابوري ما كان ليكمل ولايته الرئاسية الثانية، التي تنتهي عام 2025، لأن سمته الأولى هي “الضعف” في ظرف أمني عصيب.
ويضيف الصحفي في حديث مع “صحراء ميديا”، داخل مكتبه في واغادوغو، أن قيادات سابقة في الحزب الحاكم نصحت الرئيس كابوري وحذرته من “مصير مشابه لمصير الرئيس الأسبق بليز كومباوري، إذا لم يجر إصلاحات جذرية وجدية”.
في المقابل يعتقد الصحفي أن موقف الشارع في بوركينا فاسو من الانقلاب، الذي اقترب من الإجماع الوطني، لم يكن “حبًا في الجيش ولا كرها للرئيس كابوري، وإنما هو نتيجة لحالة متجذرة من فقدان الأمل والإحباط، فالرئيس الذي انتخبوه لم يكن في مستوى تطلعاتهم”.
الصحفي الشاب أكد في حديثه مع “صحراء ميديا” أن الشارع في بوركينا فاسو “يحترم” كابوري، لكنه يحمله مسؤولية “الفشل” في إدارة ملفات مهمة، وهذا الفشل جعلهم يدعمون الانقلاب، ويضيف الصحفي أن “الذين يدعمون انقلاب اليوم، هم من خرجوا رفضا لانقلاب 2015، فكأن كابوري، وبشكل سحري، جعل الشعب البوركيني يتقبل أكثر شيء يكرهونه: الانقلابات العسكرية”.
وإن كان الوضع السياسي في دول المنطقة (مالي وغينيا على سبيل المثال)، أعطى دافعا لتقبل فكرة الانقلاب العسكري، كما يقول آتينجا، إلا أن الرأي العام كان مجهزا لتقبل الفكرة، فحتى قبل حدوث الانقلاب كان يطالب به بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم أوقفه الأمن وحكم عليه بالسجن.
بل إن الأمر وصل إلى هيئات المجتمع المدني، وبعض الأحزاب السياسية، التي دعت إلى “استقالة” الرئيس، وهو ما قال الصحفي الشاب إنه فتح الباب أمام انقلاب عسكري أو سياسي، أي أن حقيقة واحدة كانت في أذهان الناس، وهي ضرورة خروج كابوري من المشهد.