اهتزت أركان حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، في أعقاب هزيمته القاسية في الانتخابات التشريعية المغربية، حين حقق أسوأ نتيجة له منذ انتخابات 1997، وفقد الحق في تشكيل كتلة برلمانية، ما قاد إلى استقالة قيادته وعلى رأسها أمينه العام سعد الدين العثماني.
وحصل الحزب حسب النتائج النهائية، التي أعلنت اليوم الخميس، 13 مقعدا في البرلمان، وبالتالي لم يعد بإمكانه تشكيل فريق برلماني إلا بالتحالف مع أحزاب أخرى، إذ يحتاج الفريق البرلماني لعشرين نائبا على الأقل.
وشكلت هذه النتائج زلزالا سياسيا ضرب الحزب الإسلامي الذي يرأس الحكومة في المغرب منذ انتخابات 2011، حين انتزع الصدارة من حزب «الاستقلال»، وجدد له في انتخابات 2016 الماضية، حين حصل على 125 نائبًا، أي بفارق 113 مقعدا نيابيا عن انتخابات أمس الأربعاء.
وبعد ساعات من إعلان النتائج من طرف وزارة الداخلية المغربية، أعلنت الأمانة العامة للحزب أن أعضاءها قدموا استقالتهم، وفي مقدمتهم الأمين العام سعد الدين العثماني، وهو الذي سيفقد في غضون أيام رئاسة الحكومة.
الحزب الإسلامي أعلن أن مجلسه الوطني سيعقد «دورة استثنائية» يوم السبت 18 سبتمبر الجاري، ستخصص «لتقييم الانتخابات واتخاذ القرارات المناسبة»، كما دعت قيادة الحزب إلى تعجيل عقد «مؤتمر وطني استثنائي» في أقرب وقت ممكن.
وحاول الحزب التشكيك في نتائج الانتخابات حين وصفها بأنها «غير مفهومة وغير منطقية»، وأكد أنها «لا تعكس حقيقة الخريطة السياسية، ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي، وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي».
ولكن الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران، وهو رئيس الحكومة السابق، حمل المسؤولية لسعد الدين العثماني، ودعاه بعيد إعلان النتائج إلى الاستقالة.
ونشر بنكيران عبر صفحته على الفيسبوك رسالة كتبت بخط اليد، يقول فيها: «بعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مني بها حزبنا في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنه لا يليق بحزبنا في ظل هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب».
قيادات أخرى بارزة عبرت عن صدمتها من النتائج، على غرار عزيز رباح، عضو الأمانة العامة للحزب ووزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة في الحكومة المنتهية ولايتها، الذي وصف النتائج بـ «الكارثية»، وقال إنه «لا يجد لها أي تفسير».
رباح الذي تقلد العديد من المناصب الوزارية خلال حكم «العدالة والتنمية»، دافع عن حصيلته الوزارية، وقال إنه قد يكون أخطأ في تقدير معين؛ لكنه لم يتجرأ يوما على المال العام.
أصوات من القيادات الشابة للحزب عبرت عن خيبة أملها من النتائج، فكتبت أمينة ماء العينين، عضو البرلمان السابق عن الحزب، أن النتائج «صادمة وقاسية وغير منتظرة حتى من أكثر المتشائمين».
وأضافت ماء العينين أنه لا شيء يمكنه تبرير «هذا الاندحار المُحزن لحزب تسلمته القيادة الحالية كبيرا قويا متماسكا، وتُسَلِّمه اليوم ضعيفا منكسرا»، داعية إلى استقالة العثماني وإلى «وقفة تقييم حقيقية».
وحذرت من دخول الحزب في أزمة استقطاب داخلي، وقالت إن «اللحظة لحظة اعتراف بالأخطاء، والتحلي بفضيلة النقد؛ فاليوم لم يعد ممكنا إقصاء من يتبنى هذا الخيار أو التنكيل به والاستقواء عليه تنظيميا».
وأضافت عضو البرلمان السابق أن من أسباب هزيمة الحزب «صم الآذان عن صوت النقد الصادق، وفسح المجال واسعا أمام أصوات التهليل والتصفيق لشعار جبان سياسيا وأخلاقيا عنوانه (الصمت والإنجاز)».
ولكن بدا واضحا أن الحزب تعرض لتصويت «عقابي» من طرف الناخبين المغاربة، الذين كانوا يصوتون له من خارج قواعده الشعبية خلال السنوات الماضية، ويبدو أنهم غير راضين عن حصيلته في تسيير عمل الحكومة.
واتضح تحرك هذه الكتل الانتخابية أكثر، مع عودة أحزاب إلى الواجهة، مثل حزب الاستقلال الذي استعاد عافيته في هذه الانتخابات، ويقول صحفي مغربي إن «قواعد شعبية لحزب الاستقلال صوتت عامي 2011 و2016 للإسلاميين، ولكنها اليوم عاقبتهم».