استيقظ صباح اليوم الأحد، سكان مدينة كوناكري، عاصمة غينيا، على وقع المدفعية الثقيلة والأسلحة الأوتامتيكية، تنطلق من حي «كالوم» الواقع في شبه جزيرة يوجد بها القصر الرئاسي، وأهم المباني الحيوية للبلد، ومع كل رصاصة كان الغينيون يستعيدون ذكريات سنوات الجمر التي عاشوها قبل عشر سنوات.
ولكن الغينيين الناقمين على رئيسهم ألفا كوندي، منذ أن غير الدستور ليحكم لولاية رئاسية ثالثة العام الماضي، كانوا يتساءلون عن الرجل القوي الجديد الذي امتلك شجاعة إطلاق الرصاصة الأولى، فبرز إلى الواجهة اسم الكولونيل مامادي دومبيا، الذي يقود قوة خاصة مدربة ومسلحة بشكل جيد.
بدأ الانقلاب الساعة الثامنة صباحا، في يوم عطلة، فكان مفاجئا وخلق قدرا كبيرا من التضارب والارتباك، فوصف في البداية بأنه «تمرد»، وقللت التصريحات الواردة من جهات رسمية من شأنه، بل إنه جرى الحديث عن السيطرة عليه واعتقال زعيمه.
ظل التلفزيون الرسمي لساعات وهو يبث برامجه بشكل طبيعي، وكأنه غير معني بإطلاق الرصاص المندلع من حوله، بينما اتجه الانقلابيون إلى الإعلام الجديد، فظهروا في مقطع فيديو التقط بالهاتف، وجرى تداوله على نطاق واسع، ثم بثوا بعد ذلك صور اعتقالهم للرئيس.
رغم شح المعلومات حول الطريقة التي نفذ بها الانقلاب، من الناحية العسكرية، إلا أن الانقلابيين كسبوا معركة الإعلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما بدا أنه انقلاب «غير تقليدي»، كان التلفزيون الرسمي هو آخر من يعلن عنه.
العقل المدبر
حين تأكد الغينيون من اعتقال رئيسهم ألفا كوندي الذي يلقبونه بـ «البروفوسير»، بدأت الأسئلة حول هوية الرجل القوي الجديد، الذي قال إنه يتحرك انطلاقا من حرصه على «مصلحة الشعب».
يعد الكولونيل مامادي دومبيا أحد القيادات العسكرية الشابة في غينيا، خريج المعاهد الفرنسية، حيث حصل على شهادة الماستر في الدفاع وديناميكيات الصناعية في بارس، يحمل الجنسية الفرنسية وزوجته فرنسية، سبق أن عمل في «الفيلق الأجنبي الفرنسي»، أحد أشهر أجنحة الجيش الفرنسي.
وقاده عمله في هذا الفيلق الفرنسي إلى القتال في أفغانستان وجيبوتي وكوت ديفوار جمهورية أفريقيا الوسطى، قبل أن يتقاعد ويعود إلى بلده الأصلي.
يوصف «دومبيا» بأنه يملك خبرة عسكرية كبيرة، وهو الذي تدرب في الأكاديمية الدولية للأمن في إسرائيل.
العودة للحضن
قبل ثلاث سنوات أعلن ألفا كوندي أنه ينوي تشكيل «قوة خاصة» تضم نخبة الجيش للدفاع «عن الحوزة الترابية»، فقرر عام 2018 استدعاء الكولونيل «دومبيا» ليتولى تشكيل هذه القوة الخاصة وقيادتها.
لم يكن ليعرف الغينيون «دومبيا» قبل الاستعراض العسكري بمناسبة عيد الاستقلال الوطني الأخير، حين ظهر على رأس كتيبة «القوات الخاصة»، حديثة النشأة.
خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس كوندي، بولاية رئاسية ثالثة وسط معارضة قوية، عاشت البلاد اضطرابات أمنية، تدخلت فيها القوات الخاصة، وأثار استدعاؤها غضبا كبيرا لدى الغينيين.
وتتكون القوة التي يرأسها دومبيا من «عناصر أكفاء» من نخبة الجيش الغيني، مدربين بشكل خاص ومدججين بأسلحة متطورة، نفس الأسلحة التي استخدمت للإطاحة بكوندي.