أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الاثنين الماضي، أنها وضعت المدعو عثمان إلياس دجيبو على قائمة «الإرهاب العالمية»، وهو أحد قادة «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، التنظيم الذي ينشط في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، فمن هو العدو الجديد للأمريكيين في الساحل ؟
البيان الموقع من طرف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لم يتضمن معلومات كثيرة عن الرجل، سوى أنه ينشط في منطقة الشريط الحدودي بين مالي والنيجر، وخاصة في منطقة «ميناكا» المالية، حيث توجد معاقل تنظيم «داعش».
يضيف البيان الأمريكي أن «دجيبو» تربطه «علاقة وثيقة» بزعيم تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى «أبو الوليد الصحراوي»، وسبق أن طلب من مقاتليه إقامة شبكة لخطف واستهداف الرعايا الغربيين في النيجر، وفي المناطق القريبة منها.
الخارجية الأمريكية ربطت «دجيبو» بالهجمات التي استهدفت الجيش النيجري خلال السنوات الأخيرة، وقالت إنه نصب كمينا لوحدة من الجيش بالقرب من قرية «تونغو تونغو»، مايو 2019، وأسر ستة جنود، كما قاد الهجوم على قاعدة عسكرية في «إينات»، فاتح شهر يوليو 2019، وقتل أكثر من 18 شخصًا من ضمنهم جنود، واستولى على كميات كبيرة من السلاح.
القرار الأمريكي أعلن أنه «يُحظر على المواطنين الأمريكيين عمومًا الانخراط في أي معاملات مع دجيبو»، وأضاف أنه «سيتم حظر ممتلكاته ومصالحه، الخاضعة للولاية القضائية الأمريكية».
ولكن بعض المصادر المحلية علقت على القرار الأمريكي، بأنه أعطى للرجل أكبر من حجمه الحقيقي في منطقة ملتهبة، فمن هو هذا الرجل الذي يخشاه الأمريكيون ؟
#Sahel: @SecBlinken announced sanctions against Illiassou Djibo aka Petit Chafori, #ISGS (#ISWAP-GS) commander of the Haoussa area between Ansongo-Menaka (#Mali) and Tillaberi (#Niger) pic.twitter.com/0eeSPamhh0
— MENASTREAM (@MENASTREAM) June 28, 2021
«شافوري الصغير»
يُعرف عثمان إلياس دجيبو في الأوساط المحلية بلقب «شافوري الصغير»، ولا توجد معلومات موثوقة عن تاريخ ميلاده، ولكن المؤكد حتى الآن أنه من مواليد قرية «تيرزا» الواقعة في بلدية «أوالام»، شرقي منطقة «تيلابيري»، غربي النيجر.
إذا الرجلُ ينحدر من منطقة سجلت أكثر عدد من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وهي نفس المنطقة التي قتل فيها نهاية عام 2017 أربعة جنود أمريكيين من القوات الخاصة، على يد مقاتلي «داعش».
ينحدر «شافوري الصغير» من فخذ «التوليبي»، وهو فرع شهير من قبائل الفلان العريقة، يقطن في قرى تقع غربي النيجر، وعلى الشريط الحدودي مع دولة مالي، ويعيشون على تنمية الأبقار، في حياة بدوية بسيطة، تغيب عنها في الغالب مظاهر الدولة والسلطة.
تشير بعضُ المصادر إلى أن «دجيبو» حين كان شابًا، نشط في ميليشيا محلية شكلها رجال «فلان التوليبي» للدفاع عن قراهم وقطعان مواشيهم، إبان انعدام الأمن خلال تمرد الطوارق في النيجر ومالي من 2007 وحتى 2009، وهناك اكتسب خبرته الأولى في التعامل مع الأسلحة والقتال.
وحين بدأ التمرد الأخير في شمال مالي (2011) والذي أسفر عن سيطرة «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على شمال البلاد، التحق دجيبو بصفوف «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» التي كانت تبسط سيطرتها عام 2012 على مدينة «غاو»، لم يكن حينها اسم «دجيبو» بارزا في التنظيم، ولكن يعتقد أنه بدأ آنذاك يربط صلات وثيقة مع «عدنان أبو الوليد الصحراوي».
تدخل الفرنسيون عسكريا في مالي يناير 2013، فكان «دجيبو» ضمن المقاتلين الذين عبروا الحدود نحو النيجر، فرارًا من شمال مالي، وعلى الشريط الحدودي خاض معارك طاحنة ضد ميليشيات الطوارق الموالية للفرنسيين في «الحرب على الإرهاب»، قبل أن تعتقله النيجر عام 2014.
لم يستمر سجنه أكثر من عدة أشهر، إذ نجح تنظيم القاعدة في الإفراج عنه، ضمن صفقة لتحرير الرهينة الفرنسي سيرج لازارافيتش، الذي اختطفه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي نوفمبر عام 2011، حين كان مقيما في فندق شمال مالي، رفقة فرنسي آخر أعدمته القاعدة.
التنظيم قال إن الرجلين كانا يعملان لصالح الاستخبارات الفرنسية، ولكن ذلك لم يمنع التنظيم من الدخول في صفقة للإفراج عن «لازارافيتش» بعد ثلاث سنوات من الأسر، فكان في استقباله الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند محتفيًا بتحرير آخر رهينة فرنسية في العالم آنذاك.
ولكن ما أخفاه هولاند وبقي في الجانب الآخر الغير مرئي من الصورة، أن الثمن كان باهظًا، فقد تطلب تحرير الرهينة الإفراج عن عدد من المقاتلين البارزين، من ضمنهم «دجيبو» الذي يعد اليوم من أبرز قيادات «داعش» في الصحراء الكبرى.
التحول الكبير
خرج «دجيبو» من السجن ليلتحق بمعاقل جماعة «المرابطون» التي تشكلت من تحالف بين «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» التي يقودها أبو الوليد الصحراوي، وكتيبة «الموقعون بالدماء» بقيادة الجزائري مختار بلمختار، فيما أشارت تقارير إلى أنه كان على صلة وثيقة بزعيم «حركة أنصار الدين» آنذاك إياد أغ غالي، ووصف بأنه «ظِلُّ إياد» في الشريط الحدودي بين النيجر ومالي.
لقد كانت هذه الضبابية في مسار «دجيبو» ناتجة عن عمق التحولات التي شهدتها المنطقة آنذاك، فصديقه أبو الوليد الصحراوي انشق عن المرابطين وأعلن مبايعة «تنظيم الدولة الإسلامية» عام 2015، وفي نفس العام عادت جماعة «المرابطون» إلى حضن القاعدة وانخرطت في أول تحالف جهادي في الساحل ضم «إمارة الصحراء» و«أنصار الدين» و«كتيبة ماسينا»، وحمل التحالف الجديد اسم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، يتولى قيادتها إياد أغ غالي، المكنى «أبو الفضل».
أما الفرنسيون فقد أنهوا عملية «سيرفال» العسكرية، وأطلقوا بدلا منها عملية «برخان» الموسعة لتشمل بلدان الساحل الخمس (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، تشاد وموريتانيا)، كما تأسست في نفس العام «مجموعة دول الساحل الخمس» كتحالف إقليمي لمواجهة اتساع دائرة العنف.
في تلك الأثناء كان «دجيبو» ورفيقه «الصحراوي» يعملان على إقناع داعش بتنظيمهما الجديد الذي حمل اسم «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، ولكن الأمر تطلب قرابة عام ليقبل «داعش» البيعة عام 2016، وفي العام الموالي نفذ التنظيم أول عملية نوعية له، حين نصب كمينا مطلع شهر أكتوبر 2017 لوحدة من الجيش النيجري (30 جنديا) يرافقها جنود أمريكيون من القوات الخاصة (11 جنديا أمريكيا).
الكمين الذي وقع بالقرب من قرية «تونغو تونغو» غربي النيجر، أسفر عن مقتل أربعة جنود أمريكيين وجرح اثنين آخرين، بينما قتل خمسة جنود نيجريين، لقد كان كمينا عنيفًا وفق ما أظهر مقطع فيديو التقطته كاميرا مثبتة على خوذة أحد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في الكمين.
كشف الكمين لأول مرة الوجود العسكري الأمريكي على الأرض في منطقة الساحل، خاصة وأن الجنود الأمريكيين كانوا يبحثون عن «قيادي في تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، بناء على معلومات استخباراتية حددت لهم موقعه، ولكن بعد وصولهم وجدوه قد اختفى، وفي طريق عودتهم وقعوا في الفخ.
كما كشف الكمين مدى القوة التي وصل إليها «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، إذ يقول تقرير أمريكي عرض أمام الكونغرس أعدته لجنة تحقيق حول الكمين، أن القوة التي نصبته كانت «منظمة ومنضبطة، ومسلحة بشكل جيد».