مع الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، سلكنا الطريق الوطني المؤدي إلى معبر «الكركارات» الحدودي، حين اقتربنا من نقطة العبور التابعة للشرطة الموريتانية، كانت تصطف مطاعم ومحلات تجارية صغيرة، ومئات الشاحنات المغربية العالقة، هدوء كبير يخيم على المكان.
كان في انتظارنا عناصر الشرطة والدرك الوطنيين، الإجراءات مشددة يخضع لها الجميع، بما في ذلك البعثات الصحفية التي تحمل ترخيصاً من السلطات، رغم ذلك لم تكن وجوه رجال الأمن الموريتانيين تحمل علامات القلق، بدا واضحاً أن الهدوء هو سيد الموقف.
من بعيد تتراءى على مد البصر صحراء قاحلة، ينتشر فيها جنود الجيش الموريتاني ينصبون خيامهم الرمادية، وآلياتهم العسكرية بمدفعيتها الثقيلة، الجنود متحفزون وفي كامل انتباههم، فرغم الهدوء إلا أن أجواء الحرب تخيم على المنطقة، بعد أن سكتت المدافع لثلاثين سنة.
أما في المعبر، كان أفراد من الأمن الموريتاني يلتقطون أنفاسهم في بهو محل تجاري صغير، يحتسون كؤوس الشاي ويتجاذبون أطراف الحديث، إنها استراحة خاطفة بعد ليلة طويلة سبقها يوم متوتر.
يستعيد محمدن، صاحب المحل التجاري، تفاصيل التدخل المغربي أمس وإنهاء اعتصام ناشطي البوليساريو، قال إنه سمع إطلاق رصاص في الساعات الأولى من الصباح، شاهد بعدها الدخان يتصاعد في السماء، خيل إليه أن الحرب التي عايشها في سبعينات القرن الماضي قد عادت إلى المنطقة.
يتحدث محمدن محاولاً نقل مخاوفه من عودة الحرب إلى المنطقة، قبل أن يقاطعه أحد عناصر الأمن ليسأل عن بطاقة تعبئة رصيد هاتفي من إحدى شركات الاتصال المغربية، يقول إنه «يرغب في الحديث مع أفراد عائلته وطمأنتهم بعد السيل الجارف من الشائعات والأخبار الكاذبة التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي».
عند المعبر الحدودي يكون الإقبال كبيراً على شركات الاتصال المغربية، التي تقدم خدمة الجيل الرابع من الانترنت، ولكن محمدن قال إن بطاقات التعبئة المغربية أصبحت شحيحة بسبب إغلاق المعبر الحدودي.
يغلق الأمن الموريتاني البوابة المؤدية إلى منطقة «الكركارات» العازلة، ولكنه يراقب ما يدور داخل المنطقة العازلة، حيث ينشر الجيش المغربي وحداته، وتتحرك دوريات من بعثة الأمم المتحدة «المينورسو».
أما دوريات الجيش الموريتاني فتتحرك على طول الحدود، لا تصل هذه الدوريات إلى نقطة العبور ولكنها تقترب منها، فيما يقول أحد أفراد الأمن الموريتاني في المعبر إن الجيش أعاد انتشاره في المنطقة منذ عدة أيام، يتحرك وفق ما تمليه عليه حساسية الظرف.
يضيف الجندي الموريتاني وهو يتابع المشهد داخل المنطقة العازلة عبر منظار عسكري، إن الهدوء هو سيد الموقف منذ أمس، فلم تطلق أي رصاصة، قبل أن يضيف: «الجيش المغربي موجود في المنطقة العازلة، هناك دوريات متنقلة، وأخرى ثابتة».
المعلومات شحيحة حول ما يجري داخل المنطقة العازلة، والأمن الموريتاني يمنع دخولها، فالبوابة الموريتانية مغلقة حتى إشعار آخر، ربما حتى تنتهي عملية تأمين المعبر من طرف المغاربة.
ولكن بعض المعلومات تشير إلى أن الهندسة العسكرية المغربية بدأت تشييد حاجز رملي لتأمين المعبر من هجمات البوليساريو.
لا يبدو أن تأمين المعبر الحدودي سينتهي بسرعة، فالأحاديث المتداولة في الجانب الموريتاني تُجمع على أن حركة التنقل ما بين المغرب وموريتانيا لن تعود إلى طبيعتها خلال الأيام القليلة المقبلة.
عند البوابة الموريتانية يجلس «يوسف»، وهو سائق مغربي عالق منذ منتصف أكتوبر الماضي، يتمنى انتهاء الأمور بسرعة وعودة الأوضاع إلى طبيعتها، ليعود إلى أسرته في المغرب، يقول: «لقد مر شهر وأنا عالق هنا، بعيداً عن أسرتي».
يتخذ السائقون المغاربة من شاحناتهم مسكناً، يتسقطون الأخبار الواردة من المعبر، ويعتمدون على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يدور في منطقة لا تبعد عنهم سوى مئات الأمتار فقط.