انطلقت في العاصمة المغربية الرباط، يوم الأربعاء الموافق 9 مارس 2022، أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة بين الشقيقتين المغرب وموريتانيا بعد توقف دام 9 سنوات.
وتستمر هذه الدورة حتى يوم الجمعة الموافق 11 مارس 2022، وتبحث سبل توطيد التعاون بين البلدين، بمشاركة ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية والقاع الخاص في البلدين.
ويترأس اللجنة كل من رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، والوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال.
وبهده المناسبة، يجب التنويه بمستوى التعاون الجيد الذي عرفته العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الشقيقين خلال السنوات الأخيرة.
وتعتبر العلاقة بين البلدين عريقة وتشهد في هذه الفترة زخما مهما لإرساء آليات تعاون متميزة وتوفير إطار قانوني محفز لبلوغ مبتغى البلدين في رفع مستوى علاقاتهما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.
ولا يُخفي كثير من المراقبين تفاؤلهم إزاء تطور العلاقات بين الجانبين بشكل متسارع مستقبلاً، بعد الإشارات الإيجابية التي عبر عنها قائدا البلدين، خاصة أن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة التي أصبحت تفرض التنسيق والتعاون لمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية واستراتيجية مشتركة.
وثمة كثير من المقومات تدعم إرساء تعاون متين بين البلدين، فالأمر يتعلق ببلدين مغاربيين، تجمعهما اللغة والدين والتاريخ الحضاري المشترك، علاوة على الجوار الجغرافي، والموقع الاستراتيجي الذي يحظيان به، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تجمع الشعبين، فضلاً عن الثروات الطبيعية والاقتصادية والبشرية المتوافرة التي تمثل أساساً متيناً لنسج علاقات نموذجية للطرفين في إطار التعاون جنوب جنوب.
ويبدو أن هناك كثيراً من الفرص التي يوفرها هذا التعاون، فالتجارب الدولية الحديثة تبرز بما لا مجال للشك فيه، أن التنسيق بين البلدان المتجاورة، هو مدخل أساسي لتحقيق التقدم والتطور إذا ما دعّمته علاقات اقتصادية متينة، كما أن التحولات الكبرى التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، أصبحت تفرض إقامة شراكات، حيث أضحت الكلمة الفصل في عالم اليوم للتكتلات الكبرى.
ويشكل بناء علاقات استراتيجية بين الطرفين، أساساً يمكنه المساهمة في تذليل العقبات القائمة أمام تفعيل الاتحاد المغاربي، وتجاوز حالة الجمود التي تطبع العلاقات بين البلدان المغاربية بشكل عام، وما يرافقها من هدر لكثير من الفرص على مختلف الواجهات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
وعموماً، يكتسي إرساء التعاون والشراكة بين البلدين أهمية كبرى، بالنظر إلى ما سيسفر عنه ذلك من مكاسب للجانبين، تدعم تحقيق التنمية، وإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن مضيّ البلدين قدماً نحو تعزيز علاقاتهما على مختلف الواجهات، سيسمح حتماً بتبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات، وبتشجيع الاستثمارات في البلدين، وإرساء شراكة متينة وواعدة بين الجانبين.
وعلى المستوى الدولي والإقليمي، يمكن لذلك أن يوفر لهما توحيد الرؤى بصدد عدد من الملفات والقضايا المشتركة إقليمياً ودولياً بالإضافة الي فرص الاستئثار بأدوار وازنة وطلائعية داخل العمق الإفريقي الزاخر بعدد من الإمكانيات الاقتصادية والاستراتيجية.
ويمكن للطرفين العمل في هذا السياق، على إحياء الطرق التجارية التقليدية داخل العمق الإفريقي بسبل متطوّرة ومستدامة، كما سيتيح الأمر كسب رهانات الاستقرار والأمن في المنطقة، ويدعم أيضاً إرساء قدر من التوازن فيما يتعلق بمخاطبة القوى الإقليمية والدولية على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية، كما هو الأمر بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي بصدد اتفاقيات الصيد البحري، وقضايا الهجرة.
ويملك البلدان من الإمكانيات ما يمكن من إقامة شراكات مثمرة في العديد من المجالات الحيوية.
وتمثل الدورة التاسعة لاجتماعات اللجنة العليا للتعاون فرصة لإجراء تقييم موضوعي لما تم إنجازه منذ الدورة السابقة للجنة، وإيجاد الحلول للإشكاليات التي قد تعترض طموحات البلدين في الرقي بعلاقاتهما الثنائية.
وبنظرة تقييمية لمستوى التعاون الحالي بين البلدين، يلاحظ المراقب الاقتصادي أن ثمة خلل توازني بين مستوى وحجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين. فبينما استطعت المملكة المغربية بفضل قطاعها الخاص القوي والديناميكي التواجد بشكل بارز في سوق الاستثمار في موريتانيا حيث وضعت أقدامها يشكل لافت في مجالات النظام المصرفي والاتصالات والتجارة والنقل والخدمات بينما ظل الاستثمار الموريتاني في المغرب خجولا ولا يكاد يدكر نظرا لضعف القطاع الخاص الموريتاني. وصعوبة دخول المنافسة الشرسة في سوق الاستثمارات بالمملكة المغربية.
ومع ذلك، فقد استطاع بعض المستثمرين الموريتانيين الولوج لسوق الاستثمارات في المملكة المغربية حيث أقاموا مشاريع صناعية واعدة في بعض المجالات الصناعية خاصة في مجال الإسمنت.
لكن ومن الغريب جدا أن هذه المجموعة الاستثمارية، بدلا من أن تحصل على نفس التشجيع والامتيازات التي حصل عليه مماثلها من المستثمرون المغاربة في موريتانيا، واجهت وتواجه حسب مصادر هذه المجموعة الاستثمارية، العديد من المضايقات والصعوبات التي قد تؤثر سلبا على مستقبلها كمستثمر في المملكة المغربية.
ويمثل هذا الوضع أمر غير طبيعي وغير متوازن ولا عادل، فكيف توضع العراقيل والصعوبات أمام مجموعة صغيرة من المستثمرين الموريتانيين يعدون على الأصابع في المغرب ولا تزيد استثماراتهم عن عدد محدود من المشاريع بينما يفرش السجاد الأحمر للمستثمرين المغاربة في موريتانيا التي تقدر استثماراتهم بمئات ملايين الدولارات؟
فهذه اختلالات يجب تصحيحها ويجب على اللجنة العلي للتعاون بين البلدين البت فيها واتخاد قرارات من شأنها أن تسهل خلق مناخ مناسب لتشجيع وتسهيل نجاح الاستثمارات في البلدين الشقيقين.