أسند دستور 20 يوليو 1991 السلطة التشريعية إلى البرلمان الذي يتكون من غرفتين تمثيليتين هما الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. ونص على أن ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس (5) سنوات بالاقتراع المباشر بينما ينتخب الشيوخ لمدة ست (6) سنوات بالاقتراع غير المباشر، يجدد ثلثهم (3/1) كل سنتين.
وقبل انتهاء مأموريات الشيوخ والنواب تدعو الحكومة هيئة الناخبين لانتخاب الأعضاء الجدد. غير أنه في يوم 15 سبتمبر 2011 أصدرت الحكومة مرسوما يقضي بتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة للتجديد الجزئي لمجلس الشيوخ والشامل للجمعية الوطنية بسبب غياب “الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وبمشاركة الجميع”. ثم طلبت الحكومة قبل انتهاء مأمورية البرلمان استشارة من المجلس الدستوري “فيما إذا كانت الجمعية الوطنية الحالية تستطيع، لحين انتخاب نواب جدد … الاستمرار في ممارسة سلطاتها الدستورية”. أكد المجلس الدستوري في رده على رسالة الوزير الأول شرعية استمرار سلطات البرلمان إلى غاية الدورة البرلمانية العادية لشهر مايو 2012.
أثارت هذه الوضعية سجالا عنيفا بين السياسيين وجدلا واسعا بين القانونيين دار أساسا حول شرعية البرلمان منذ شهر نوفمبر 2011 وأهلية المجلس الدستور في تمديد سلطات البرلمان واختصاص الوزير الأول في استشارة المجلس الدستوري.
ستكون النقاط المثارة محور هذه الدراسة القانونية لمسألة تمديد سلطات البرلمان.
استبعاد الفراغ التشريعي
إذا تعطلت الحياة النيابية لأيّ سبب من الأسباب، لا يكون البرلمان – جهاز التشريع الأصيل – عندئذ موجودا. وفي هذه الحالة وتجنبا لحصول فراغ تشريعي لابد من وجود سلطة تتولى مهام التشريع تكون عادة رئيس الدولة أو الحكومة. فهذه نتيجة حتمية قد تتوقعها الدساتير وتنص عليها صراحة وتنظم كيفية ممارستها كما جاء في المادة 59 من دستور مايو 1961 : “إلي حين انعقاد أول اجتماع للجمعية الوطنية التي تلي تنصيب رئيس الجمهورية، يحق لهذا الأخير إنّ يتخذ، عن طريق أوامر، كل الترتيبات التشريعية الضرورية لإقامة المؤسسات وتسيير المرافق العمومية”. وتعتبر مثل هذه النصوص كاشفة ومقررة لوضع يفرضه مجرد المحافظة على كيان الدولة واستمرارها. فإذا حدث أمر طارئ في غياب البرلمان، لا يمكن مواجهته إلا بقانون فإنّ الاتّجاه العالمي يجري على تخويل رئيس الدولة إصدار “أوامر” (تختلف التسميات التي تطلق علي الترتيبات التشريعية التي يتخذها رئيس الدولة : في السودان: “أوامر”، و في تونس و المغرب و الكويت و الإمارات: “مراسيم” أو “مراسيم تشريعية”، و في مصر:”قرارات”، و في الأردن:”قوانين مؤقتة”، و في سوريا: “تشريعات”، و في اليمن: “قوانين”.) تكون لها قوة القانون.
لم يأخذ دستور 20 يوليو 1991 منحى الدستور الأردني الذي ينص في مادته 25 على أنّ “تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك” أو دستور جمهورية السودان لسنة 1973 الذي تنص مادته 80 على أنّ “رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية ويشارك في السلطة التشريعية”، أو المادة 51 من الدستور الكويتي التي تنص على أن : ” السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور”؛ كما لم يسير على منوال الدستور المغربي الذي تنص مادته 72 على أنه في حالة الفراغ التشريعي ” يمارس الملك، بالإضافة إلى سلطاته، السلطة التي يختص بها البرلمان في مجال التشريع”.
إذا كان الدستوري الموريتاني خاليا من أحكام تسند سن القوانين لسلطة أخرى بجانب البرلمان ولم يعيّن سلطة ما لتتولى هذه المهمة في غياب البرلمان فإن القوانين النظامية المطبقة لبعض أحكامه تبيّن بما لا يدع مجالا للشك رفض المشرّع الموريتاني لحدوث الفراغ التشريعي.
تنص المادة 2 من الأمر القانوني رقم 91-028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المعدل، المتعلق بالقانون النظامي حول انتخاب نواب الجمعية الوطنية على أنه : ” تنتهي سلطات الجمعية الوطنية عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة التي تلي انتخابها”ونصت هذه المادة كذلك على أنه “فيما عدا حالة الحل، تجرى انتخابات عامة في الستين (60) يوما التي تسبق انتهاء سلطات الجمعية الوطنية.”والهدف في ذلك هو أن يكون تاريخ انتهاء مأمورية نواب الجمعية الوطنية هو نفسه تاريخ بداية مأمورية النواب المنتخبين الجدد. ويظهر هذا الاتجاه جليا بالنسبة لمجلس الشيوخ حيث نصت الفقرة 3 من المادة 2 (جديدة) من الأمر القانوني رقم 91-029 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المعدل، المتضمن للقانون النظامي المتعلق بانتخاب الشيوخ على أنه “يبدأ انتداب الشيوخ بالنسبة لكل مجموعة اعتبارا من افتتاح الدورة العادية في شهر مايو الموالي لانتخابهم ، تاريخ انقضاء انتداب الشيوخ السابقين ويجري انتخاب الشيوخ في 60 يوما التي تسبق تاريخ بداية انتدابهم.”
تبيّن هذه الأحكام عزم المشرع على تفادي حدوث فراغ تشريعي بتعطيل وظيفة حيوية للدولة تتمثل في سنّ القوانين. فالنيابة التشريعية لا تنتهي إلا بالشروع في نيابة أخرى جديدة. وبذلك يكون لا مناص في هذه الحالة من تنظيم الانتخابات في وقتها أو تمديد مأمورية البرلمان القائم.
لم يتضمن الدستور الموريتاني أحكاما تمنع صراحة تمديد سلطات البرلمان بعد انتهاء مأموريته كما ذهب إلى ذلك الدستور الجزائري في الفقرة 3 من مادته 102 : ” لا يمكن تمديد مهمة البرلمان إلاّ في ظروف خطيرة جدا لا تسمح بإجراء انتخابات عادية.” أو الدستور الكويتي في مادته 83 : ” مدة مجلس الأمة أربع سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له… ولا يجوز مد الفصل التشريعي إلا لضرورة في حالة الحرب …”. لا يثير حظر تمديد سلطات البرلمان بعد انتهاء انتدابه في البلدان التي أخذت به أية صعوبات قانونية حيث نصت مثلا المادة 124 من الدستور الجزائري على أنه ” لرئيس الجمهورية أن يشرّع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني” واتبعت دولة الكويت نفس المنهج إذ جاء في المادة 71 من دستورها على أنه في حالة الفراغ التشريعي وحدث في هذه الفترة ” ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير” فأنه يجوز ” للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون”. كما حدد كل من الدستورين الجزائري والكويتي سالفي الذكر آلية إجراء التمديد عندما يكون جائزا حيث اشترطت الجزائر أن يتم التمديد بقرار من البرلمان بناء على اقتراح من رئيس الجمهورية واستشارة المجلس الدستوري بينما نص الدستور الكويتي على أن التمديد يكون في حالة توفر شروطه بقانون.
عندما لا تنظم الانتخابات التشريعية في آجالها لأي سبب كان وعندما لا يوجد نص قانوني صريح يتناول تمديد سلطات البرلمان أو يحدد آلية إقرارها ومع ضرورة تجنب تعطيل الحياة البرلمانية، يكون مشروعا التفكير في إجراء تعديل دستوري عن طريق الاستفتاء أو البرلمان مجتمعا في مؤتمر باعتبار أن مدة مأمورية البرلمان محددة بالدستور.
رأت الحكومة أن الصعوبات التي منعتها من تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية المتمثلة على الخصوص في تحديد هيئة الناخبين على أساس حالة مدنية سليمة هي نفسها التي ستحول دون إجراء استفتاء لتعديل الدستور من أجل التمديد. كما أن المدة المتبقية من مأمورية البرلمان من صدور مرسوم تأجيل الانتخابات بتاريخ 15 سبتمبر 2011 أي شهرين، لن تكون كافية لإجراء التعديل (تطلّبت مثلا مراجعة الدستور سنة 2012 من إقرار مشروع المراجعة في مجلس الوزراء يوم 15 ديسمبر 2011 إلى إصداره يوم 20 مارس 2012 ثلاثة أشهر بدورات برلمانية عادية واستثنائية).
أمام هذه المعضلة، بادرت الحكومة إلى اللجوء إلى المجلس الدستوري طالبة منه تنويرها في شرعية استمرار البرلمان القائم في ممارسة سلطاته الدستورية بعد 14 نوفمبر 2011 إلى حين تنظيم انتخابات لتجديد ثلث مجلس الشيوخ وكامل أعضاء الجمعية الوطنية، باسطة أمام المجلس الدستوري الأسباب التي دفعتها إلى تأجيل الانتخابات التشريعية ومؤكدة له حرصها على تفادي حدوث فراغ تشريعي.
اختصاص المجلس الدستوري
إن اختيار المجلس الدستوري لهذه المهمة مع غياب نص قانوني يسندها صراحة إلى جهة معينة لم يكن اعتباطيا. فالدستور أقام توازنا بين السلطتين التشريعية المتمثلة في البرلمان بغرفتيه والسلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية والحكومة، وكلف المجلس الدستوري بضمان هذا التوازن ومراقبة اختصاص كل منهما والإشراف على صحة الانتخابات وبالتالي شرعية الهيئات المنبثقة عنها وإجازة العمل بالنظم الداخلية للبرلمان المتعلقة بتنظيم وسير عمل الغرفتين. لا غرابة إذن في ظل صمت القانون أن ينطق المجلس الدستوري بشأن استمرار أو انقطاع شرعية هيئة دستورية كلفه الدستور أصلا بإقرار حصولها.
وهنا لا يمكن إثارة عدم اختصاص المجلس الدستوري بالرجوع إلى الأحكام المتعلقة به في الدستور أو الأمر القانوني رقم 92–004 الصادر بتاريخ 18 فبراير 1992 المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري. فقد شهدت سلطات المجالس الدستورية في البلدان التي أخذت بها تطورات ملحوظة بفعل الاجتهاد في ميادين ليس بها نصوص صريحة موسعة بذلك سلطاتها في مجالات تنظيم السلطات الدستورية والعلاقات فيما بينها وضمان الحقوق والحريات العامة. ويمكن ملاحظة ظاهرة التطور بشكل واضح في فرنسا التي تكاد النصوص المنظمة للمجلس الدستوري الموريتاني تكون نقلا حرفيا للنصوص الفرنسية من حيث التشكيلة والتنظيم والمهام. فقد وصل اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي إلى حد مراقبة مدى مطابقة المراسيم الرئاسية للدستور مع أن نصوصه المكتوبة لا تمنحه صلاحية مراقبة غير مشاريع ومقترحات القوانين. ولم يكن المجلس الدستوري الموريتاني بدعا من أمثاله في العالم حيث قاده اجتهاده في المسائل المسكوت عنها إلى إلغاء أحكام تشريعية تتعلق مثلا بمحكمة العدل السامية (2008) وقانون الإرهاب (2010) والمدونة الانتخابية (2012) ليس على أساس مخالفتها لنصوص صريحة في الدستور وإنما على أساس المبادئ العامة للعدالة والمساواة.
اعترف المجلس الدستوري باختصاصه للنظر في رسالة الوزير الأول بشأن مأمورية البرلمان وأصدر رأيه الاستشاري رقم 002-2011 بتاريخ 5 سبتمبر 2011 بأن انتداب البرلمانيين يستمر إلى غاية افتتاح الدورة البرلمانية لشهر مايو 2012 على أن تتخذ الحكومة خلال هذه المدة كل ما يلزم لإجراء الانتخابات.
إن هذا التمديد الذي كشف عنه المجلس الدستوري لم يكن في الواقع مناقضا لأحكام المادة 47 من الدستور التي تحدد نيابة الجمعية الوطنية بخمس سنوات. لأنه عندما تكون وحدة القياس هي السنة نكون مع افتتاح الدورة البرلمانية لشهر مايو 2012 دائما في إطار خمس سنوات حتى وإن زادت بأسابيع أو أشهر لأن بلوغ السنة السادسة لا يتم إلا بالاستمرار إلى دورة نوفمبر 2012. ويجب لفت الانتباه إلى أن الدستور نفسه قد أشار إلى أن مأمورية الجمعية الوطنية المحددة في المادة 47 منه بخمس سنوات ليست جامدة بل قد تتعرض للتغيير بالنقصان والزيادة. فحينما تعطي المادة 31 من الدستور لرئيس الجمهورية الحق في حل الجمعية الوطنية فإنها تقر بأن هذا الأجراء سينقص مدة المأمورية التشريعية إلى ما دون خمس سنوات. وفي المقابل، عندما يفرض الدستور أن يجتمع البرلمان بقوة القانون عند إعمال السلطات الاستثنائية بمقتضى المادة 39 من الدستور فإن هذا يعني بأن أجل خمس سنوات سيتم تجاوزه حتما إذا قرر رئيس الجمهورية اللجوء إلى هذه السلطات الاستثنائية مباشرة قبل انتهاء مأمورية الجمعية الوطنية.
عندما يعترف المجلس الدستوري باختصاصه بالنظر في مسألة معينة ويصدر بشأنها قرارا يصبح هذا القرار واجب المراعاة وساري المفعول بغض النظر عما ترى السلطات والهيئات والأفراد في محتواه من الخطأ والصواب. ولا يمكن تعطيل آثار هذا القرار إلا بقرار مواز يتخذه المجلس نفسه أو اتخاذ أحكام دستورية أو إصدار قوانين نظامية تقضي بعكس موقفه.
وبغض النظر عن المواقف المؤيدة أو الرافضة للرأي الاستشاري للمجلس الدستوري، فقد اعترف جميع أعضاء البرلمان، صراحة أو ضمنا، بأثر استشارته. فالشيوخ والنواب يتقاضون بانتظام مرتباتهم الشهرية بصفتهم أعضاء عاملين ويحتجون عند الحاجة بالحصانة البرلمانية ويحملون هم وأسرهم الجوازات الدبلوماسية التي يمنحها المرسوم 2012-111 الصادر بتاريخ 2 مايو 2012 للبرلمانيين العاملين. كما يشاركون بصفتهم أعضاء في برلمان قائم في المؤتمرات والملتقيات الوطنية والدولية ويستجيبون لدعوات الحضور للدورات العادية والاستثنائية للبرلمان ويساهمون في عمل اللجان البرلمانية ويشاركون بالتصويت بالرفض أو القبول أو الامتناع على مشاريع القوانين ويراقبون عمل الحكومة من خلال الأسئلة الكتابية والشفوية الموجهة للوزير الأول و لأعضاء الحكومة.
استشارة المجلس الدستوري من طرف الوزير الأول
حدد الدستور الجهات التي يحق لها التوجه إلى المجلس الدستوري كرئيس الجمهورية في حالة اللجوء إلى السلطات الاستثنائية أو كالوزير الأول في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية أو كرئيسي البرلمان أو نسبة من البرلمانيين في حالة مراقبة دستورية القوانين أو كالأفراد للطعن في القوانين السابقة على نفاذ الدستور والمخالفة لأحكامه.
وزاد الأمر القانوني رقم 92–004 الصادر بتاريخ 18 فبراير 1992 المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري من الحالات التي يحق فيها للوزير الأول الاتصال بالمجلس الدستوري كإحالة القوانين النظامية أو طلب إضفاء الطابع التنظيمي على الأحكام التشريعية السابقة على نفاذ الدستور. كما استقر الاجتهاد القضائي للمجلس الدستوري على الاعتراف باختصاص الوزير الأول في طلب رأي المجلس الدستوري حول سير المؤسسات الدستورية في غير الحالات الوارد بشأنها نص صريح. فقد قبل المجلس في السنوات 2009 و 2010 و 2011 الطلبات الموجهة إليه من طرف الوزير الأول لاستفتائه في مدى شرعية قيام الحكومة بتأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية، مؤكدا بذلك استقرار عرف دستوري، كما يحدث في كل بلدان العالم، يكمّل ويدقق الأحكام الدستورية المكتوبة.
لم يناقض هذا العرف الدستوري نصا مكتوبا وخصوصا المادة 39 من الدستور، فالوزير الأول لم يستشر المجلس الدستوري في الأمور التي عهدها الدستور أو القوانين إلى رئيس الجمهورية أو البرلمان أو المواطنين بل في مسائل لم تتناولها أحكام صريحة.
فالمادة 39 من الدستور تشير إلي أنه عندما يُهدد خطر حالّ مؤسسات الجمهورية أو الأمن أو استقلال البلاد أو حوزة أراضيها وأن يكون مصحوبا بانقطاع السير المنتظم للسلطات العمومية الدستورية، يجوز لرئيس الجمهورية استخدام السلطات الاستثنائيّة لمواجهة الخطر بعد أن يطلب بصفة رسمية استشارة كل من الوزير الأوّل ورئيسي مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمجلس الدستوري. ولا يجادل أحد في أنه عندما يتعلق الأمر بممارسة السلطات الاستثنائية يقتصر طلب الاستشارة على رئيس الجمهورية. كما أن هذه المادة لم تفرد المجلس الدستوري بإصدار الرأي حول لجوء رئيس الجمهورية إلى السلطات الاستثنائية والتدابير المزمع اتخاذها لمواجهة الخطر وإنما أشركت معه الوزير الأول ورئيسي البرلمان. فكل من هؤلاء مخول حسب الدستور لإبداء رأيه لرئيس الجمهورية عند إعمال المادة 39.
إذن لا يوجد مانع أمام المجلس الدستوري في أن يقبل تقديم الاستشارة للسلطات العمومية في إطار تطور مهامه عن طريق الاجتهاد في غير الأمور الوارد بشأنها نص صريح كالمادة 39 من الدستور سالفة الذكر التي حصرتها في رئيس الجمهورية دون سواه من أجل إعمال مقتضياتها. كما أن الجهات التي اعترف لها اجتهاد المجلس الدستوري بسلطة طلب الاستشارة، كالوزير الأول، لم تتصرف في إطار المادة 39 من الدستور وقامت بذلك في مجالات لا علاقة لها البتة بموضوع هذه المادة.
نتائج التمديد
نتيجة للرأي الاستشاري للمجلس الدستوري، واصل البرلمان القيام بمهامه الدستورية المتمثلة في سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة. وتم عرض عدة مشاريع لقوانين عادية ونظامية ودستورية على غرفتيه.
لم تتضمن النسخة الأصلية لمشروع مراجعة الدستور المودع لدى الجمعية الوطنية في ديسمبر 2011 أية إشارة إلى سلطات البرلمان. غير أنه حينما تبيّن للحكومة فيما بعد، على ما يبدو، صعوبة القيام، قبل انتهاء الأجل المحدد من طرف المجلس الدستوري أي 14 مايو 2012 كحد لسلطات البرلمان، بتنظيم انتخابات تشريعية بسبب مشاكل تتصل دائما بالحالة المدنية ، أدخلت الحكومة بمقتضى المادة 62 من الدستور تعديلا على مشروع مراجعة الدستور المعروض على البرلمان يمدد بنص دستوري سلطات البرلمان القائم إلى غاية 31 ديسمبر 2012. غير أن الغرفة البرلمانية التي استقبلت التعديلات أبلغت الحكومة شكوكها في قدرة السلطات الإدارية على تنظيم هذه الانتخابات قبل نهاية العام 2012، مثيرة تكرار إقدام الحكومة على تأجيل الانتخابات التشريعية نتيجة البطء في تقدم الإجراءات المتعلقة بإصلاح الحالة المدنية. وحتى يتم إبعاد مخاطر الوقوع في أزمة دستورية مع صعوبة إجراء تعديل آخر للدستور في نفس السنة يمدد من جديد في مأمورية البرلمان القائم، وافقت الحكومة، في إطار التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على المقترح المقدم بتمديد مأمورية البرلمان إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة. صادق البرلمان مجتمعا في مؤتمر على مشروع مراجعة الدستور الذي يتضمن تمديدا لسلطات البرلمان القائم وأصدره رئيس الجمهورية بتاريخ 20 مارس 2012 أي قبل انتهاء مأمورية البرلمان المحدد على أساس استشارة المجلس الدستوري بـ 14 مايو 2012.
إن توقيت مأمورية البرلمان يتم عادة بمدة محددة كخمس سنوات مثل ما جاء في المادة 47 من الدستور أو بتواريخ معينة كما ورد في المادة الأولى من القانون الدستوري رقم 70-124 بتاريخ 24 أبريل 1970 : ” يٌمدّد انتداب أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبين يوم 9 مايو 1965 إلى أجل لا يتجاوز 30 سبتمبر 1971″. ولا يوجد مانع في تحديد هذه المأمورية بحدث معين. ويقدم التاريخ الدستوري الوطني و المقارن أمثلة عديدة لذلك : مثل دستور 1991 الذي نص في المادة 103على أنّه “في انتظار وضع المؤسسات التي ينص عليها هذا الدستور تمارس السلطة طبقا لأحكام ميثاق اللجنة العسكرية للخلاص الوطني الصادر بتاريخ 9 فبراير 1985″؛ والدستور اللبناني الذي ينص في مادته 55 على أنه في حالة الفراغ التشريعي، تستمر هيئة مجلس النواب في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس نواب جديد والدستور الجزائري الذي ينص في مادته 180 على أنْ “يمارس المجلس الشعبي الوطني المنتخب السّلطة التشريعية كاملة حتى تنصيب مجلس الأمة.” والدستور السينغالي الذي ينص في مادته 105 على أن تستمر سلطات الجمعية الوطنية الحالية إلى غاية تنصيب الجمعية الوطنية الجديدة.
وقبل انتهاء مأموريات الشيوخ والنواب تدعو الحكومة هيئة الناخبين لانتخاب الأعضاء الجدد. غير أنه في يوم 15 سبتمبر 2011 أصدرت الحكومة مرسوما يقضي بتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة للتجديد الجزئي لمجلس الشيوخ والشامل للجمعية الوطنية بسبب غياب “الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وبمشاركة الجميع”. ثم طلبت الحكومة قبل انتهاء مأمورية البرلمان استشارة من المجلس الدستوري “فيما إذا كانت الجمعية الوطنية الحالية تستطيع، لحين انتخاب نواب جدد … الاستمرار في ممارسة سلطاتها الدستورية”. أكد المجلس الدستوري في رده على رسالة الوزير الأول شرعية استمرار سلطات البرلمان إلى غاية الدورة البرلمانية العادية لشهر مايو 2012.
أثارت هذه الوضعية سجالا عنيفا بين السياسيين وجدلا واسعا بين القانونيين دار أساسا حول شرعية البرلمان منذ شهر نوفمبر 2011 وأهلية المجلس الدستور في تمديد سلطات البرلمان واختصاص الوزير الأول في استشارة المجلس الدستوري.
ستكون النقاط المثارة محور هذه الدراسة القانونية لمسألة تمديد سلطات البرلمان.
استبعاد الفراغ التشريعي
إذا تعطلت الحياة النيابية لأيّ سبب من الأسباب، لا يكون البرلمان – جهاز التشريع الأصيل – عندئذ موجودا. وفي هذه الحالة وتجنبا لحصول فراغ تشريعي لابد من وجود سلطة تتولى مهام التشريع تكون عادة رئيس الدولة أو الحكومة. فهذه نتيجة حتمية قد تتوقعها الدساتير وتنص عليها صراحة وتنظم كيفية ممارستها كما جاء في المادة 59 من دستور مايو 1961 : “إلي حين انعقاد أول اجتماع للجمعية الوطنية التي تلي تنصيب رئيس الجمهورية، يحق لهذا الأخير إنّ يتخذ، عن طريق أوامر، كل الترتيبات التشريعية الضرورية لإقامة المؤسسات وتسيير المرافق العمومية”. وتعتبر مثل هذه النصوص كاشفة ومقررة لوضع يفرضه مجرد المحافظة على كيان الدولة واستمرارها. فإذا حدث أمر طارئ في غياب البرلمان، لا يمكن مواجهته إلا بقانون فإنّ الاتّجاه العالمي يجري على تخويل رئيس الدولة إصدار “أوامر” (تختلف التسميات التي تطلق علي الترتيبات التشريعية التي يتخذها رئيس الدولة : في السودان: “أوامر”، و في تونس و المغرب و الكويت و الإمارات: “مراسيم” أو “مراسيم تشريعية”، و في مصر:”قرارات”، و في الأردن:”قوانين مؤقتة”، و في سوريا: “تشريعات”، و في اليمن: “قوانين”.) تكون لها قوة القانون.
لم يأخذ دستور 20 يوليو 1991 منحى الدستور الأردني الذي ينص في مادته 25 على أنّ “تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك” أو دستور جمهورية السودان لسنة 1973 الذي تنص مادته 80 على أنّ “رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية ويشارك في السلطة التشريعية”، أو المادة 51 من الدستور الكويتي التي تنص على أن : ” السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور”؛ كما لم يسير على منوال الدستور المغربي الذي تنص مادته 72 على أنه في حالة الفراغ التشريعي ” يمارس الملك، بالإضافة إلى سلطاته، السلطة التي يختص بها البرلمان في مجال التشريع”.
إذا كان الدستوري الموريتاني خاليا من أحكام تسند سن القوانين لسلطة أخرى بجانب البرلمان ولم يعيّن سلطة ما لتتولى هذه المهمة في غياب البرلمان فإن القوانين النظامية المطبقة لبعض أحكامه تبيّن بما لا يدع مجالا للشك رفض المشرّع الموريتاني لحدوث الفراغ التشريعي.
تنص المادة 2 من الأمر القانوني رقم 91-028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المعدل، المتعلق بالقانون النظامي حول انتخاب نواب الجمعية الوطنية على أنه : ” تنتهي سلطات الجمعية الوطنية عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة التي تلي انتخابها”ونصت هذه المادة كذلك على أنه “فيما عدا حالة الحل، تجرى انتخابات عامة في الستين (60) يوما التي تسبق انتهاء سلطات الجمعية الوطنية.”والهدف في ذلك هو أن يكون تاريخ انتهاء مأمورية نواب الجمعية الوطنية هو نفسه تاريخ بداية مأمورية النواب المنتخبين الجدد. ويظهر هذا الاتجاه جليا بالنسبة لمجلس الشيوخ حيث نصت الفقرة 3 من المادة 2 (جديدة) من الأمر القانوني رقم 91-029 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المعدل، المتضمن للقانون النظامي المتعلق بانتخاب الشيوخ على أنه “يبدأ انتداب الشيوخ بالنسبة لكل مجموعة اعتبارا من افتتاح الدورة العادية في شهر مايو الموالي لانتخابهم ، تاريخ انقضاء انتداب الشيوخ السابقين ويجري انتخاب الشيوخ في 60 يوما التي تسبق تاريخ بداية انتدابهم.”
تبيّن هذه الأحكام عزم المشرع على تفادي حدوث فراغ تشريعي بتعطيل وظيفة حيوية للدولة تتمثل في سنّ القوانين. فالنيابة التشريعية لا تنتهي إلا بالشروع في نيابة أخرى جديدة. وبذلك يكون لا مناص في هذه الحالة من تنظيم الانتخابات في وقتها أو تمديد مأمورية البرلمان القائم.
لم يتضمن الدستور الموريتاني أحكاما تمنع صراحة تمديد سلطات البرلمان بعد انتهاء مأموريته كما ذهب إلى ذلك الدستور الجزائري في الفقرة 3 من مادته 102 : ” لا يمكن تمديد مهمة البرلمان إلاّ في ظروف خطيرة جدا لا تسمح بإجراء انتخابات عادية.” أو الدستور الكويتي في مادته 83 : ” مدة مجلس الأمة أربع سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له… ولا يجوز مد الفصل التشريعي إلا لضرورة في حالة الحرب …”. لا يثير حظر تمديد سلطات البرلمان بعد انتهاء انتدابه في البلدان التي أخذت به أية صعوبات قانونية حيث نصت مثلا المادة 124 من الدستور الجزائري على أنه ” لرئيس الجمهورية أن يشرّع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني” واتبعت دولة الكويت نفس المنهج إذ جاء في المادة 71 من دستورها على أنه في حالة الفراغ التشريعي وحدث في هذه الفترة ” ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير” فأنه يجوز ” للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون”. كما حدد كل من الدستورين الجزائري والكويتي سالفي الذكر آلية إجراء التمديد عندما يكون جائزا حيث اشترطت الجزائر أن يتم التمديد بقرار من البرلمان بناء على اقتراح من رئيس الجمهورية واستشارة المجلس الدستوري بينما نص الدستور الكويتي على أن التمديد يكون في حالة توفر شروطه بقانون.
عندما لا تنظم الانتخابات التشريعية في آجالها لأي سبب كان وعندما لا يوجد نص قانوني صريح يتناول تمديد سلطات البرلمان أو يحدد آلية إقرارها ومع ضرورة تجنب تعطيل الحياة البرلمانية، يكون مشروعا التفكير في إجراء تعديل دستوري عن طريق الاستفتاء أو البرلمان مجتمعا في مؤتمر باعتبار أن مدة مأمورية البرلمان محددة بالدستور.
رأت الحكومة أن الصعوبات التي منعتها من تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية المتمثلة على الخصوص في تحديد هيئة الناخبين على أساس حالة مدنية سليمة هي نفسها التي ستحول دون إجراء استفتاء لتعديل الدستور من أجل التمديد. كما أن المدة المتبقية من مأمورية البرلمان من صدور مرسوم تأجيل الانتخابات بتاريخ 15 سبتمبر 2011 أي شهرين، لن تكون كافية لإجراء التعديل (تطلّبت مثلا مراجعة الدستور سنة 2012 من إقرار مشروع المراجعة في مجلس الوزراء يوم 15 ديسمبر 2011 إلى إصداره يوم 20 مارس 2012 ثلاثة أشهر بدورات برلمانية عادية واستثنائية).
أمام هذه المعضلة، بادرت الحكومة إلى اللجوء إلى المجلس الدستوري طالبة منه تنويرها في شرعية استمرار البرلمان القائم في ممارسة سلطاته الدستورية بعد 14 نوفمبر 2011 إلى حين تنظيم انتخابات لتجديد ثلث مجلس الشيوخ وكامل أعضاء الجمعية الوطنية، باسطة أمام المجلس الدستوري الأسباب التي دفعتها إلى تأجيل الانتخابات التشريعية ومؤكدة له حرصها على تفادي حدوث فراغ تشريعي.
اختصاص المجلس الدستوري
إن اختيار المجلس الدستوري لهذه المهمة مع غياب نص قانوني يسندها صراحة إلى جهة معينة لم يكن اعتباطيا. فالدستور أقام توازنا بين السلطتين التشريعية المتمثلة في البرلمان بغرفتيه والسلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية والحكومة، وكلف المجلس الدستوري بضمان هذا التوازن ومراقبة اختصاص كل منهما والإشراف على صحة الانتخابات وبالتالي شرعية الهيئات المنبثقة عنها وإجازة العمل بالنظم الداخلية للبرلمان المتعلقة بتنظيم وسير عمل الغرفتين. لا غرابة إذن في ظل صمت القانون أن ينطق المجلس الدستوري بشأن استمرار أو انقطاع شرعية هيئة دستورية كلفه الدستور أصلا بإقرار حصولها.
وهنا لا يمكن إثارة عدم اختصاص المجلس الدستوري بالرجوع إلى الأحكام المتعلقة به في الدستور أو الأمر القانوني رقم 92–004 الصادر بتاريخ 18 فبراير 1992 المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري. فقد شهدت سلطات المجالس الدستورية في البلدان التي أخذت بها تطورات ملحوظة بفعل الاجتهاد في ميادين ليس بها نصوص صريحة موسعة بذلك سلطاتها في مجالات تنظيم السلطات الدستورية والعلاقات فيما بينها وضمان الحقوق والحريات العامة. ويمكن ملاحظة ظاهرة التطور بشكل واضح في فرنسا التي تكاد النصوص المنظمة للمجلس الدستوري الموريتاني تكون نقلا حرفيا للنصوص الفرنسية من حيث التشكيلة والتنظيم والمهام. فقد وصل اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي إلى حد مراقبة مدى مطابقة المراسيم الرئاسية للدستور مع أن نصوصه المكتوبة لا تمنحه صلاحية مراقبة غير مشاريع ومقترحات القوانين. ولم يكن المجلس الدستوري الموريتاني بدعا من أمثاله في العالم حيث قاده اجتهاده في المسائل المسكوت عنها إلى إلغاء أحكام تشريعية تتعلق مثلا بمحكمة العدل السامية (2008) وقانون الإرهاب (2010) والمدونة الانتخابية (2012) ليس على أساس مخالفتها لنصوص صريحة في الدستور وإنما على أساس المبادئ العامة للعدالة والمساواة.
اعترف المجلس الدستوري باختصاصه للنظر في رسالة الوزير الأول بشأن مأمورية البرلمان وأصدر رأيه الاستشاري رقم 002-2011 بتاريخ 5 سبتمبر 2011 بأن انتداب البرلمانيين يستمر إلى غاية افتتاح الدورة البرلمانية لشهر مايو 2012 على أن تتخذ الحكومة خلال هذه المدة كل ما يلزم لإجراء الانتخابات.
إن هذا التمديد الذي كشف عنه المجلس الدستوري لم يكن في الواقع مناقضا لأحكام المادة 47 من الدستور التي تحدد نيابة الجمعية الوطنية بخمس سنوات. لأنه عندما تكون وحدة القياس هي السنة نكون مع افتتاح الدورة البرلمانية لشهر مايو 2012 دائما في إطار خمس سنوات حتى وإن زادت بأسابيع أو أشهر لأن بلوغ السنة السادسة لا يتم إلا بالاستمرار إلى دورة نوفمبر 2012. ويجب لفت الانتباه إلى أن الدستور نفسه قد أشار إلى أن مأمورية الجمعية الوطنية المحددة في المادة 47 منه بخمس سنوات ليست جامدة بل قد تتعرض للتغيير بالنقصان والزيادة. فحينما تعطي المادة 31 من الدستور لرئيس الجمهورية الحق في حل الجمعية الوطنية فإنها تقر بأن هذا الأجراء سينقص مدة المأمورية التشريعية إلى ما دون خمس سنوات. وفي المقابل، عندما يفرض الدستور أن يجتمع البرلمان بقوة القانون عند إعمال السلطات الاستثنائية بمقتضى المادة 39 من الدستور فإن هذا يعني بأن أجل خمس سنوات سيتم تجاوزه حتما إذا قرر رئيس الجمهورية اللجوء إلى هذه السلطات الاستثنائية مباشرة قبل انتهاء مأمورية الجمعية الوطنية.
عندما يعترف المجلس الدستوري باختصاصه بالنظر في مسألة معينة ويصدر بشأنها قرارا يصبح هذا القرار واجب المراعاة وساري المفعول بغض النظر عما ترى السلطات والهيئات والأفراد في محتواه من الخطأ والصواب. ولا يمكن تعطيل آثار هذا القرار إلا بقرار مواز يتخذه المجلس نفسه أو اتخاذ أحكام دستورية أو إصدار قوانين نظامية تقضي بعكس موقفه.
وبغض النظر عن المواقف المؤيدة أو الرافضة للرأي الاستشاري للمجلس الدستوري، فقد اعترف جميع أعضاء البرلمان، صراحة أو ضمنا، بأثر استشارته. فالشيوخ والنواب يتقاضون بانتظام مرتباتهم الشهرية بصفتهم أعضاء عاملين ويحتجون عند الحاجة بالحصانة البرلمانية ويحملون هم وأسرهم الجوازات الدبلوماسية التي يمنحها المرسوم 2012-111 الصادر بتاريخ 2 مايو 2012 للبرلمانيين العاملين. كما يشاركون بصفتهم أعضاء في برلمان قائم في المؤتمرات والملتقيات الوطنية والدولية ويستجيبون لدعوات الحضور للدورات العادية والاستثنائية للبرلمان ويساهمون في عمل اللجان البرلمانية ويشاركون بالتصويت بالرفض أو القبول أو الامتناع على مشاريع القوانين ويراقبون عمل الحكومة من خلال الأسئلة الكتابية والشفوية الموجهة للوزير الأول و لأعضاء الحكومة.
استشارة المجلس الدستوري من طرف الوزير الأول
حدد الدستور الجهات التي يحق لها التوجه إلى المجلس الدستوري كرئيس الجمهورية في حالة اللجوء إلى السلطات الاستثنائية أو كالوزير الأول في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية أو كرئيسي البرلمان أو نسبة من البرلمانيين في حالة مراقبة دستورية القوانين أو كالأفراد للطعن في القوانين السابقة على نفاذ الدستور والمخالفة لأحكامه.
وزاد الأمر القانوني رقم 92–004 الصادر بتاريخ 18 فبراير 1992 المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري من الحالات التي يحق فيها للوزير الأول الاتصال بالمجلس الدستوري كإحالة القوانين النظامية أو طلب إضفاء الطابع التنظيمي على الأحكام التشريعية السابقة على نفاذ الدستور. كما استقر الاجتهاد القضائي للمجلس الدستوري على الاعتراف باختصاص الوزير الأول في طلب رأي المجلس الدستوري حول سير المؤسسات الدستورية في غير الحالات الوارد بشأنها نص صريح. فقد قبل المجلس في السنوات 2009 و 2010 و 2011 الطلبات الموجهة إليه من طرف الوزير الأول لاستفتائه في مدى شرعية قيام الحكومة بتأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية، مؤكدا بذلك استقرار عرف دستوري، كما يحدث في كل بلدان العالم، يكمّل ويدقق الأحكام الدستورية المكتوبة.
لم يناقض هذا العرف الدستوري نصا مكتوبا وخصوصا المادة 39 من الدستور، فالوزير الأول لم يستشر المجلس الدستوري في الأمور التي عهدها الدستور أو القوانين إلى رئيس الجمهورية أو البرلمان أو المواطنين بل في مسائل لم تتناولها أحكام صريحة.
فالمادة 39 من الدستور تشير إلي أنه عندما يُهدد خطر حالّ مؤسسات الجمهورية أو الأمن أو استقلال البلاد أو حوزة أراضيها وأن يكون مصحوبا بانقطاع السير المنتظم للسلطات العمومية الدستورية، يجوز لرئيس الجمهورية استخدام السلطات الاستثنائيّة لمواجهة الخطر بعد أن يطلب بصفة رسمية استشارة كل من الوزير الأوّل ورئيسي مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمجلس الدستوري. ولا يجادل أحد في أنه عندما يتعلق الأمر بممارسة السلطات الاستثنائية يقتصر طلب الاستشارة على رئيس الجمهورية. كما أن هذه المادة لم تفرد المجلس الدستوري بإصدار الرأي حول لجوء رئيس الجمهورية إلى السلطات الاستثنائية والتدابير المزمع اتخاذها لمواجهة الخطر وإنما أشركت معه الوزير الأول ورئيسي البرلمان. فكل من هؤلاء مخول حسب الدستور لإبداء رأيه لرئيس الجمهورية عند إعمال المادة 39.
إذن لا يوجد مانع أمام المجلس الدستوري في أن يقبل تقديم الاستشارة للسلطات العمومية في إطار تطور مهامه عن طريق الاجتهاد في غير الأمور الوارد بشأنها نص صريح كالمادة 39 من الدستور سالفة الذكر التي حصرتها في رئيس الجمهورية دون سواه من أجل إعمال مقتضياتها. كما أن الجهات التي اعترف لها اجتهاد المجلس الدستوري بسلطة طلب الاستشارة، كالوزير الأول، لم تتصرف في إطار المادة 39 من الدستور وقامت بذلك في مجالات لا علاقة لها البتة بموضوع هذه المادة.
نتائج التمديد
نتيجة للرأي الاستشاري للمجلس الدستوري، واصل البرلمان القيام بمهامه الدستورية المتمثلة في سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة. وتم عرض عدة مشاريع لقوانين عادية ونظامية ودستورية على غرفتيه.
لم تتضمن النسخة الأصلية لمشروع مراجعة الدستور المودع لدى الجمعية الوطنية في ديسمبر 2011 أية إشارة إلى سلطات البرلمان. غير أنه حينما تبيّن للحكومة فيما بعد، على ما يبدو، صعوبة القيام، قبل انتهاء الأجل المحدد من طرف المجلس الدستوري أي 14 مايو 2012 كحد لسلطات البرلمان، بتنظيم انتخابات تشريعية بسبب مشاكل تتصل دائما بالحالة المدنية ، أدخلت الحكومة بمقتضى المادة 62 من الدستور تعديلا على مشروع مراجعة الدستور المعروض على البرلمان يمدد بنص دستوري سلطات البرلمان القائم إلى غاية 31 ديسمبر 2012. غير أن الغرفة البرلمانية التي استقبلت التعديلات أبلغت الحكومة شكوكها في قدرة السلطات الإدارية على تنظيم هذه الانتخابات قبل نهاية العام 2012، مثيرة تكرار إقدام الحكومة على تأجيل الانتخابات التشريعية نتيجة البطء في تقدم الإجراءات المتعلقة بإصلاح الحالة المدنية. وحتى يتم إبعاد مخاطر الوقوع في أزمة دستورية مع صعوبة إجراء تعديل آخر للدستور في نفس السنة يمدد من جديد في مأمورية البرلمان القائم، وافقت الحكومة، في إطار التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على المقترح المقدم بتمديد مأمورية البرلمان إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة. صادق البرلمان مجتمعا في مؤتمر على مشروع مراجعة الدستور الذي يتضمن تمديدا لسلطات البرلمان القائم وأصدره رئيس الجمهورية بتاريخ 20 مارس 2012 أي قبل انتهاء مأمورية البرلمان المحدد على أساس استشارة المجلس الدستوري بـ 14 مايو 2012.
إن توقيت مأمورية البرلمان يتم عادة بمدة محددة كخمس سنوات مثل ما جاء في المادة 47 من الدستور أو بتواريخ معينة كما ورد في المادة الأولى من القانون الدستوري رقم 70-124 بتاريخ 24 أبريل 1970 : ” يٌمدّد انتداب أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبين يوم 9 مايو 1965 إلى أجل لا يتجاوز 30 سبتمبر 1971″. ولا يوجد مانع في تحديد هذه المأمورية بحدث معين. ويقدم التاريخ الدستوري الوطني و المقارن أمثلة عديدة لذلك : مثل دستور 1991 الذي نص في المادة 103على أنّه “في انتظار وضع المؤسسات التي ينص عليها هذا الدستور تمارس السلطة طبقا لأحكام ميثاق اللجنة العسكرية للخلاص الوطني الصادر بتاريخ 9 فبراير 1985″؛ والدستور اللبناني الذي ينص في مادته 55 على أنه في حالة الفراغ التشريعي، تستمر هيئة مجلس النواب في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس نواب جديد والدستور الجزائري الذي ينص في مادته 180 على أنْ “يمارس المجلس الشعبي الوطني المنتخب السّلطة التشريعية كاملة حتى تنصيب مجلس الأمة.” والدستور السينغالي الذي ينص في مادته 105 على أن تستمر سلطات الجمعية الوطنية الحالية إلى غاية تنصيب الجمعية الوطنية الجديدة.
إن التشكيك في مأمورية برلمان أكد المجلس الدستوري على شرعية استمرار سلطاته أو القدح في التمديد الذي أقرّته المراجعة الدستورية وهي صادرة عن هيئة قائمة أو الطعن في مراسيم تأجيل الانتخابات التي أثبت المجلس الدستوري بأنها قرارات سيادية وبالتالي تتحصن أمام الطعن لدى المحكمة العليا بدلا من تحميل الحكومة عبء تبرير أسباب التأجيل، كل هذه الأمور لن تساهم في تظافر الجهود وصهر الطاقات من أجل تذليل الصعاب ورفع العراقيل “الفنية” أمام تنظيم انتخابات تشريعية وبلدية تمكّن من الخروج سريعا من وضع شرعي مؤقت والانتقال إلى وضع شرعي دائم.