هكذا ساستنا مع النظام القائم، أقبلوا عليه يزفون ويهللون، وكأن الحلم الذى كانوا يحلمون به قد تحقق على أرض الواقع، وبدؤوا يتسارعون اليه حسب نواياهم ومقاصدهم المختلفة، لا تأخذهم فى ذلك لومة لائم، ولم يبق عن النظام من ساستنا إلا من رحم ربك، وقليل ما هم ،وظن الجميع اننا سنعود الى مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضى (سياسة الحزب الواحد) هذه الفترة التى يعتبرها البعض العصر الذهبى فى تاريخ الدولة الموريتانية قبل أن ندخل فى الأحكام العسكرية المتعاقبة .
لم يرض النظام القائم أن يتناقض مع برنامجه الذى انتخبه الشعب على أساسه ويعود بالدولة الى العصور القديمة (سياسة الحزب الواحد) فأبى إلا أن يكرس الديمقراطية بجميع تجلياتها ،ويبقي على قطبيها: المعارض للنظام، والداعم له على حد السواء، فولى ساستنا على أعقابهم، ينكصون ليبدؤوا مرحلة الادبار من معارضة تقليدية معتدلة إلى معارضة ناصحة، ثم ما لبثت أن تخلت عن اعتدالها ونصحها لتصبح معارضة لائمة، متطرفة، تدعو لإسقاط بل الى رحيل النظام، مهما كانت الوسيلة الى ذلك، ومهما كان الثمن، بدافع ميكيافيلى أكثر منه ديمقراطي.
حملها على ذلك ما جرى فى الدول العربية المجاورة، مما بات يطلق عليه “الربيع العربي” فأصبح قادة المعارضة يرددون قول الشاعر :
زمن كالربيع حل وزالا ليت أيامه خلقن طوالا
وكأنهم لا يعلمون أن موريتانيا تختلف اختلافا جذريا مع جميع دول الربيع العربي فلا أحد منهم يشكك فى نزاهة الانتخابات التى أوصلت النظام القائم الى سدة الحكم حيث نجح بنسبة تقارب 53% وليست 99.99% كما كان سائدا لدى قادة دول الربيع العربي ولم يمض على انتخاب رئيسنا أزيد سنتين ونصف، بيد أن فترات حكم رؤساء الربيع العربى تتراوح مابين العشرين وأزيد من الأربعين سنة.
ولم ير ساستنا ما قام به النظام من اصلاحات جذرية على جميع الأصعدة ، وسأبدأ من حيث بدأ النظام، حيث بدأ بطرد سفارة العدو الصهيونى وتطهير البلاد منه، ثم أشفع ذّلك الإنجاز – الذى كان مطلبا لدى الجميع- بفتح اذاعة القرآن الكريم، وطباعة المصحف الشريف، والشروع فى فتح جامعة اسلامية موريتانية، ناهيك عن الإصلاحات ألأخرى، والتى لا يمكننى حصرها فى هذه الأسطر، والتى أعمَت ساستنا، وأصبحوا يرون الشوك فى الورود ، متشائمين لمستقبل هذا البلد المعطاء، لا لشيء إلا لان مصالحهم الضيقة لم تتحقق.
فحبذا لو رفع ساستنا شعار المطالبة بالإصلاح، وبإكمال ما بدأ فعلا، وبإنشاء مشاريع تنموية، وتكون المطالبة بطريقة أخلاقية تتماشى وسلوك هذا المجتمع المسلم بالفطرة، مجنبة البلد مخاطر الثورات والفتن وزعزعة الأمن، فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
فلا الإقبال المطلق يصلح البلد، ولا الادبار والدعوة الى الفوضى والفتن يصلحانه، وانما الحوار البناء الهادئ الهادف، هو السبيل الوحيد الذى يفضى الى المصلحة .