ميمونة جاوارا: رغم مصادرة خصوصيين لسوق القدور تبقى صناعتها حرفة فلانية يقتنيها كل الموريتانيين
سيلبابي ـ الرجل بن عمر
يزداد إقبال سكان سيلبابي؛ جنوب شرق موريتانيا،على تجارة القدور التي تعرف رواجا ملحوظا مع حلول موسم الصيف وحاجة المواطنين لتبريد مياه الشرب. وتعرف منتجات الصناعة التقليدية الأشهر في كيديماغا ارتفاعا في أسعارها؛ بسبب الطلب المتزايد من طرف المواطنين؛ بحسب المسوقة؛ ميمونة جاوارا.
جاوارا ـ 48 سنة؛ صانعة قدور اعتادت القدوم إلى سيلبابي لإيصال عدد من طلبيات القدور، ولتسويق عدد آخر؛ توصي الفتيات بالعناية به أثناء تجوالها بالسوق المحلية.
وفي يوميات السيدة الخمسينية؛ حركة دائبة تطوف أغلب نقاط البيع شبة الثابتة لتتعهد زبناها ولتعرض عليهم جديد صنعتها، التي تعرف موسمها الذهبي مع بداية فصل الصيف الحار.
ورثت ميمونة صناعة القدور عن أمها كحال جميع بنات قرية “أزنيغي” (12 كلم جنوب غربي سيلبابي) حيث مارست الحرفة منذ نعومة أظافرها وأتقنتها في وقت مبكر.
ورغم بساطة وبدائية طرق صناعة القدور في القرى الفلانية؛ إلا أن ميمونة لا ترى منها حرفة بسيطة فهي بحاجة ماسة، إلى كثير من الخبرة والممارسة الدؤوبة لاكتساب مستوى عال من الاحترافية يوصل لمعايير بعينها قل توفرها في جميع قدور السوق؛ تقول ميمونة.
خطوات سلسلة
يسبق عملية صناعة القدور جمع بقايا القدور القديمة وأنواع خاصة من الأعشاب التي تصفى بعد حرقها وخلطها بطين أسود يتسم بصلابة تامة في وجه المياه المبردة.
وفي حال انعدام بقايا القدور القديمة يتم جلب تربة خاصة من البحيرة على بعد ساعة بالأقدام وحرقها قبل خلطها بالأعشاب المصفاة وقليل من الماء لتأمين اندماج الخليط.
في الجزء الأول من القدر يصب الخليط على مجسم للمؤخرة ويتم تحريكه بشكل سلس مشكلا ما هو أشيه بنصف كرة كبيرة لها قاعدة شبه حادة وتعريضها لأشعة الشمس قبل لحمها بالنصف الذي توجد به فتحة القدر.
أما الهيكل المجوف من القدر فتتم صناعته باليد؛ حيث تبنى أجزاؤه على مراحل تبعا لمستوى الجفاف الذي توفره أشعة الشمس المستعرة؛ والتي تتعرض لها القدور؛ قبل حرقها وهي ملفوفة بغطاء من مخلفات البقر لإكسابها مزيدا من الصلابة والتلاحم السحري؛ الذي تصفه ميمونة بسر الصنعة.
متعة ومرارة
ورغم انتشار صناعة القدور بين أوساط الفلان؛ خاصة نسوة تلك القرى التي تعتبر الصنعة من تقاليدها “كأزنيغي”، إلا أن نهاية التصنيع لا تشكل بداية حتمية للربح وجني المال؛ الذي تنتظره نسوة القرية لجلب أغراض البيت إذا لا يخلو التسويق من متاعب؛ كما تقول ميمونة.
المثل العربي القائل: “ما كل مرة تسلم الجرة..” هو لسان حال ميمونة؛ خاصة أثناء حرصها على اجتياز الوادي، الذي يدفع القدور إلى بعضها البعض وهي مرصوصة على العربات التي تجرها الحمير؛ ويمكن لميمونة أن تعرف مدى الضرر الذي تعرض له كل قدر على حدة؛ وتضيف بطلاقة .. إنه الحدس.
ومع زيادة الطلب على منتجات ميمونة ورفيقاتها في الصنعة والأسعار الملتهبة، التي يعرفها سوق كيديماغا أو غيره من أسواق الولايات الأخرى مشكلة روافد لها إلا أن تذبذبات الأسعار من 1.000 أوقية إلى 5.000 أوقية بحسب الأحجام يبقى مبلغا معقولا إذا أخذنا في الاعتبار هامش الربح الذي يحرص عليه الموزعون الصغار إضافة إلى تكاليف المواد الأولية؛ تضيف ميمون.
ميمونة؛ تؤكد ـ كذلك ـ أن حالة الجفاف التي عرفتها قرى سيلبابي؛ فرضت على النسوة المشي مسافات بعيدة بحثا عن الأعشاب وأماكن أخرى لجلب التربة الازمة وتعقب مراعي البقر لملئ خنشاتهن من مخلفاته التي تبقى مادة لاحمة في عالم صناعة القدور إضافة إلى صعوبات وتكاليف النقل التي تصفها بالباهظة.
عدد من النسوة العارضات للقدور بالسوق المحلية يشكين مصادرة ما يسمينه “سوق القدور” من طرف خصوصيين ورجال أعمال جعل منتجاتهن تتعرض بشكل دائم لدهس السيارات وعربات الحمير.
وفي سياق متصل يعمل أحد خيري سيلبابي على تبريد الماء ب 27 من قدور السوق؛ خاصة فئة الحجم الكبير كوقف لساقية المسافري المدينة والبوادي المجاورة، إضافة إلى رواد السوق وبعض تجاره الصغار.
ووفق ما أكده؛ أب ولد أبيليل القائم على الوقف؛ فإن المبادرة الخيرية تنطلق مع بداية كل موسم حرارة، وعلى مدار ساعات اليوم.