محمد ولد الشيخ الغزواني هو الشخصية الأبرز في موريتانيا خلال العام المنصرم (2019)، حين فاز بالانتخابات الرئاسية ونجح في تطبيع العلاقة بين المعارضة والسلطة، وفي النهاية خرج منتصراً من المعركة السياسية مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولكن تحديات كثيرة تنتظر الرجل خلال العام الجديد (2020).
المراقبون يتحدثون عن الأشهر الستة الأولى من حكم ولد الغزواني على أنها كانت في أغلبها معارك سياسية، وأن التحديات الحقيقية لم تبدأ بعد، ويتساءل المتابعون للشأن العام إلى أي مدى ستمتد «فترة السماح» التي منحها الموريتانيون لولد الغزواني.
سياسياً يتطلع قطاع واسع من الموريتانيين نحو خلق «حالة من الوئام» قد تفضي إلى «وفاق وطني» ينهي سنوات من التأزيم السياسي الذي أصاب الساحة السياسية بالترهل والتسمم، وهو ما يتطلب المرور عبر «حوار وطني شامل».
ولكن حتى الآن تبدو وجهات النظر متباينة بخصوص هذا الحوار، فولد الغزواني في حديثه نوفمبر الماضي مع صحيفة (لوموند) الفرنسية أكد أنه لا يرى له أي جدوى ما دام «باب التشاور» مفتوحاً أمام الجميع، إلا أن رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض أحمد ولد داداه في مقابلة أجراها دجمبر الماضي، مع صحيفة (القلم) الموريتانية، جدد المطالبة بهذا الحوار، رغم تثمينه للتشاور الجاري.
من شبه المؤكد أن الحوار سيستحوذ على جزء مهم من النقاش السياسي خلال الأشهر المقبلة، خاصة إذا ما هدأت الجبهة الداخلية لتيار الأغلبية الرئاسية الحاكم، وبدأت المعارضة تتحرك نحو المطالبة بنقاش حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
إن الحوار الذي يرى كثير من الموريتانيين أهميته في هذه «الظرفية الهادئة»، يعتقد الداعون له أنه يجب يكون فرصة لإعادة تأسيس الميثاق السياسي والاجتماعي في البلد، وطرح جميع المشاكل ومناقشتها لتجاوزها بشكل نهائي.
وفيما يتابع الموريتانيون التغييرات التي أحدثها ولد الغزواني في ممارسة الحكم، وانفتاحه على المعارضة واستعداده للتراجع عن بعض مظالم وأخطاء سلفه، إلا أنهم يرفعون مستوى توقعاتهم، من خلال مطالبته بإحداث «ممارسة سياسية جديدة للسلطة، تكون أكثر إنصافاً للجميع»، ما قد يدفعه نحو محاولة «إرضاء» كافة الأطراف، ليجد نفسه أمام سؤال التوازن في «الإرضاء» و«الإنصاف».
بينما يتوقع أن تشهد الأشهر الأولى من العام الجديد تصفية ملف المعارضين في الخارج، وعودة رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو بعد «تسوية سياسية» تعيد له الاعتبار وهو الذي غادر البلاد منذ عدة سنوات بسبب خلاف سياسي مع الرئيس السابق، تعرض خلاله لمضايقات طالت مقربين منه وبعض شركاته.
نفس الشيء بالنسبة لرجل الأعمال المصطفى ولد الإمام الشافعي، الذي كشف فريق دفاعه قبل أيام ثغرات واضحة في ملفه القضائي، الذي أعد على عجل وفي يوم واحدٍ، ما يؤكد أن نظام الرئيس السابق استغل القضاء وتلاعب به من أجل مضايقته.
ولكن حدة الملفات السياسية التي تنتظر ولد الغزواني خلال 2020، لن تخفي الملفات الاقتصادية والاجتماعية الملحة، فالعام المنصرم شهد موجة جفاف حاد، وتشير التوقعات إلى أن البلد سيدخل في «الفترة الحرجة» مع حلول شهر فبراير المقبل، ما يفرض على الحكومة أن تستعد بخطة جديدة تكون مختلفة عن الخطط السابقة، من أجل مساعدة المتضررين من الجفاف.
هذا بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الظروف المعيشية للمواطن، إما من خلال خفض أسعار المحروقات أو الكهرباء أو المواد الاستهلاكية الرئيسية، ولكن الأهم والذي يشكل تحدياً كبيراً أمام حكومة ولد الغزواني هو «آلية السيطرة على الأسعار ومتابعتها» في سوق تجاوز الليبرالية نحو الفوضى العارمة.
في غضون ذلك تشير التوقعات إلى أن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية ستشهد أسعارها ارتفاعاً في الأسواق العالمية مع بداية العام، وهو ما يعني ارتفاعها في السوق الموريتانية، فكيف ستتعامل الحكومة مع ذلك بعد تصفية شركة (سونمكس) التي كانت تتولى هذه المهمة.
غزواني الهادئ استطاع أن يدير الأشهر الماضية من حكمه بنجاح، مستفيداً من عيوب النهج الذي كان يحكم به صديقه البلاد، ومزايا نهجه الجديد والمختلف، ولكن هذه العيوب لن تكون كافية لضمان النجاح في تسيير التحديات المقبلة، فهل تكون مزايا نهجه الخاص كافية لذلك.. ذلك ما يتطلع الموريتانيون لمعرفته.